الثلاثاء، 12 مايو 2009

الرئيس محمد نجيب



الرئيس محمد نجيب هو أول رئيس فى العصر الجمهورى لمصر وكعادة فراعنة مصر أن الفرعون الذى يحكم يمحى أسم الفرعون السابق وأمجاده من التاريخ وقد كتب الأستاذ نادر‏ ‏شكري محمد‏ ‏نجيب فى جريدة وطنى عن هذا الموضوع فقال : " مع‏ ‏الاحتفال‏ ‏بثورة‏ ‏يوليو‏ ‏من‏ ‏كل‏ ‏عام‏ ‏يذكر‏ ‏عبد‏ ‏الناصر‏ ‏والسادات‏ ‏دون‏ ‏أن‏ ‏يتذكر‏ ‏شخص‏ ‏أن‏ ‏محمد‏ ‏نجيب‏ ‏كان‏ ‏البطل‏ ‏الحقيقي‏ ‏لثورة‏ ‏يوليو‏ ‏وأول‏ ‏من‏ ‏كتب‏ ‏بيان‏ ‏الثورة‏ ‏وأعطي‏ ‏إشارة‏ ‏التحرك‏,‏لم‏ ‏يذكر‏ ‏أحد‏ ‏أن‏ ‏يضع‏ ‏يوما‏ ‏أكليلا‏ ‏من‏ ‏الزهور‏ ‏علي‏ ‏قبره‏ ‏تكريما‏ ‏له‏.و‏من‏ ‏خلال‏ ‏لقاءات‏ ‏مع‏ ‏أسرة‏ ‏الرئيس‏ ‏نجيب‏ ‏التي‏ ‏قصها‏ ‏اللواء‏ ‏حسن‏ ‏محمد‏ ‏سالم‏ ‏نائب‏ ‏مديرإدارة‏ ‏بحوث‏ ‏العمليات‏ ‏بالجيش‏ ‏وابن‏ ‏اخت‏ ‏الرئيس‏ ‏الذي‏ ‏كان‏ ‏شاهد‏ ‏عيان‏ ‏لحياة‏ ‏الرئيس‏ ‏وأيضا‏ ‏الدكتور‏ ‏رفعت‏ ‏يونان‏ ‏الباحث‏ ‏التاريخي‏ ‏الذي‏ ‏قدم‏ ‏رسالة‏ ‏الماجستير‏ ‏الأولي‏ ‏من‏ ‏نوعها‏ ‏عن‏ ‏الرئيس‏ ‏محمد‏ ‏نجيب‏ , ‏وتستعد‏ ‏أسرة‏ ‏الرئيس‏ ‏الآن‏ ‏لإطلاق‏ ‏أول‏ ‏عمل‏ ‏درامي‏ ‏تليفزيوني‏ ‏عنه‏ ‏أعد‏ ‏له‏ ‏السيناريو‏ ‏الصحفي‏ ‏محمد‏ ‏ثروت‏ ‏لإعادة‏ ‏حق‏ ‏هذا‏ ‏الرئيس‏.‏

من هو محمد نجيب ؟

أسمه بالكامل محمد نجيب يوسف عباس القشلان , عانى أبوه "يوسف نجيب" اليتم مبكرا فى قرية النحارية ، ونشأ معتمدا على نفسه ليعمل في الزراعة والرعي ، واستطاع بمشقة أن ينتظم في التعليم إلى أن التحق بالمدرسة الحربية وتخرج فيها 1896، ليخدم بالكتيبة "17 مشاه" في السودان، تزوج من "زهرة" ابنة أحد وجهاء أم درمان، فرُزقا عام 1896 بابنهما الأكبر "محمد نجيب" الذي لم يكد يبلغ الثالثة عشرة من عمره حتى مُني بفقد والده يوسف نجيب -الذي ذاق اليتم هو الآخر في نفس السن- وكان محمد وقتها طالبًا بالقسم الداخلي بكلية "غوردون"، التي كانت مدة الدراسة بها 4 سنوات، عانى خلالها من التعالي الذي كان يتعامل به المدرسون الإنجليز مع أهل البلد، ومن ذلك أن "سمبسون" مدرس اللغة الإنجليزية كان يملي عليهم قطعة إملاء جاء فيها: "إن مصر يحكمها البريطانيون"، فتوقف محمد نجيب عن الكتابة، وصرخ في وجهه: عفوا أستاذ.. مصر تحتلها بريطانيا فقط.. لكنها مستقلة داخليًّا وتابعة لتركيا، فثار المدرس الإنجليزي، وقرر معاقبة هذا الطالب المصري/ السوداني بالجلد.. وبالفعل طُبق عليه هذا الحكم العجيب!!

عقب وفاة والده اضطر إلى العمل كموظف صغير براتب شهري 3 جنيهات، ثم قرر دخول المدرسة الحربية. والطريف أنه كان خائفا من قصر قامته سنتيمتر واحد عن الحد المطلوب، وحين أسرّ برغبته لصديقه "إبراهيم عرابي" ابن أحمد عرابي باشا، حاول إبراهيم إثناءه عما ينتوي؛ لأنه يرى أن "الضابط في بلد محتل ليس إلا مقاول أنفار للحفر والردم، ومتابعة أعمال السكك الحديدية"، لكن "نجيب" قَبِل التحدي، وقرر خوض التجربة.

الثائر" يرتحل للقاهرة.. ويصر على حلمه

كان كل ما يمتلكه هو 9 جنيهات ترك منها 6 جنيهات لأمه واحتفظ بالثلاث الباقيات لرحلته، ارتدى الملابس الشعبية السودانية ليتسنى له الركوب في القطار بتخفيض، وبعد رحلة استغرقت 6 أيام وصل إلى القاهرة، لكنه فوجئ بتأخره 11 يوما، وأن الدفعة المطلوبة قد بدأت دراستها بالفعل، فصُدم لذلك صدمة عنيفة، لكنه لم يسلم نفسه لليأس وسعى حتى اتصل بالسلطان حسين كامل وسردار الجيش البريطاني، فاختُبر في لجنة خاصة تحت ظل شجرة كافور، وأُلحق بالمدرسة ليتخرج ويعمل في نفس كتيبة والده "17- مشاه"، وعاد إلى السودان لينتظم في عمله، لكن بعد مرور بضعة أشهر أدرك أن حديث صديقه "إبراهيم عرابي" كان صائبًا، وأنه لا يعدو كونه "مقاول أنفار"؛ ولهذا لم يجد أمامه إلا إكمال دراسته في محاولة لتحسين أوضاعه، وبدأ في المذاكرة مرة أخرى حتى حصل على الكفاءة ثم البكالوريا...
الوطن شغله الأول والحرية أمله الكبير
اهتم محمد نجيب بالوطن وكان شغله الأول، ففي 1919 كان بركان الثورة قد انفجر في القاهرة، فقرر نجيب السفر ليشارك في العمل الوطني، وفي طريقه مر أمامه ضابط إنجليزي، وكانت التقاليد العسكرية تستدعي أن يؤدي له نجيب التحية العسكرية، لكنه لم يفعل، فتوقف الإنجليزي ووبخه طالبا منه تأدية التحية، وأصر نجيب على موقفه ولم يتراجع إلا عندما بادله الإنجليزي التحية العسكرية بمثلها.
وليس أدل على وطنيته من موقفه حين تزعم مجموعة من زملائه الضباط يرتدون زيهم الرسمي متوجهين صوب بيت الأمة، معبرين عن احتجاجهم وسخطهم لنفي سعد زغلول وأقاموا اعتصامًا على سلم بيت الأمة "منزل سعد زغلول".
حاول التخلص من وظيفته بالجيش لتبعيته العمياء لإنجلترا، فدخل مدرسة البوليس لدراسة القانون الإداري واللوائح ليتسلم العمل في أقسام الشرطة بالقاهرة، فأفادته هذه الفترة في التعرف على قاع الحياة فيها، واحتك بطبقاتها المطحونة وشعر بآلامها.. لكن سرعان ما قرر العودة ثانية لصفوف الجيش.
درس من "النحاس" في احترام الحرية
عاد إلى السودان.. لكنه عكف هذه المرة على تأمل علاقة مصر والسودان ببريطانيا، وأصدر كتابًا يرصد فيه أهم مشكلات السودان والخطر الذي يهدد وحدة وادي النيل، وبعد فترة قصيرة نُقل إلى الحرس الملكي، وفي عام 1927 حصل على ليسانس الحقوق، وتزوج للمرة الأولى.. وهو نفس العام الذي أصدر فيه الملك فؤاد قراره بحل البرلمان -لأن أغلبية أعضائه كانوا من حزب الوفد الذي كان دائم الاصطدام بالملك- فتخفى محمد نجيب في ملابس سودانية، وقفز فوق سطح منزل مصطفى النحاس باشا، وعرض عليه تدخل الجيش لإجبار الملك على احترام رأي الشعب، لكن النحاس رفض ذلك بشدة، وطالب بأن يبتعد الجيش عن الحياة السياسية وضرورة ترك هذا الأمر للأحزاب.
كان درسا هاما تعلم من خلاله محمد نجيب الكثير حول ضرورة فصل السلطات واحترام الحياة النيابية الديمقراطية، ويبدو أنه الدرس الذي أراد تطبيقه بعد ذلك عام 1954، ولكن الأمور جرت على خلاف ما كان يريد.
نجيب والضباط الأحرار اللقاء الأول
مجلس قيادة الثورة قبل الانقلاب على زعيمه في 1954

منذ اعتلاء فاروق العرش شهدت مصر تدخلات كثيرة من الإنجليز، وكانت حرب 1948 وما حدث للجيوش العربية فيها هو القشة التي قصمت ظهر البعير؛ فقد رجع بعض الضباط الشباب الذين خاضوا مرارة هذه الهزيمة محمّلين بهاجس قوي يدفعهم نحو ضرورة التغيير، والتقت حماستهم مع حنكة اللواء أركان حرب محمد نجيب، وأخبروه بما ينوونه، وأعلن الرجل موافقته وإيمانه بالفكرة.
ولم يكن نجيب آنذاك نكرة بل كان بالفعل علما عسكريا فقد حصل على نجمة فؤاد الأول مرتين لبسالته، كما حارب في فلسطين 1948 ونال شرف الإصابة فيها 3 مرات، وحصل على رتبة فريق.
بالإضافة لذلك كانت للرجل مكانة علمية مرموقة فهو مؤلف لعدة كتب قيمة، وكذلك حصل عام 1929 على دكتوراه في الاقتصاد.
وكان أول اختبار حقيقي لشعبية الرجل داخل الجيش هو انتخابات نادي الضباط التي فازت فيها قائمة الضباط الأحرار بقيادة نجيب بـ 95 % من الأصوات في مواجهة قائمة القصر، حينها أدرك الملك الشعبية الطاغية لنجيب وسط الضباط، فرشحه وزيرا للحربية قبيل الثورة بأيام؛ في محاولة لامتصاص غضب الضباط، لكن يبدو أنها محاولة تأخرت كثيرا حيث لم يتبق على الثورة إلا إعلانها وهو ما تم بالفعل في صباح 23 يوليو 1952 حيث حاصرت قوات الجيش قصر عابدين، ولم تكد تمر أيام حتى أجبروا "فاروق" على مغادرة مصر، والتفت الجموع حول محمد نجيب الذي أعلن أن الجيش سيؤدي ما عليه، ويرجع ثانية للثكنات، تاركا الحكم لأولي الأمر.
نجيب: مهمة الجيش انتهت وليحكم الشعب نفسه
وكانت روح الحرية التي حملتها هذه البيانات هي السبب فيما تعرض له؛ فقد تصادمت هذه النظرة الراقية للثورة مع طموحات الضباط
الشباب الذين وجدوا أنفسهم يحكمون مصر بين عشية وضحاها، وما جاءوا إلا ليبقوا، وجاء الأمر أسهل مما تصوروا، فالانقلاب الذي جاء لتصحيح الأوضاع والرجوع للثكنات تحول في لحظة إلى ثورة 23 يوليو المجيدة (!) ومنذ هذه اللحظة بدأت الشباك تُنصب حول محمد نجيب وحول الديمقراطية بشكل عام، وبدأ رجل قوي آخر يخرج من الظل الذي ارتاده لحاجة في نفسه، وكان هذا الرجل هو جمال عبد الناصر الذي شرع في التخلص ممن ظن أنهم يمثلون خطرا عليه، وأولهم محمد نجيب، فبدأ أولا في تدبير أزمة مارس 1954 ثم حانت الساعة الفاصلة في نوفمبر 1954 عندما فوجئ الرئيس وهو يدخل قصر عابدين بضباط البوليس الحربي، وإذا بهم يقتادونه إلى فيلا قديمة في ضاحية المرج أقصى شرق القاهرة، على وعد بأن يعود بعد أيام، ولكنه ظل حبيس هذه الفيلا حتى عام 1982، إلى أن نقلوه إلى شقة أكثر ضعة لحين وفاته عام 1984.
وظل عبد الناصر قائما بأعمال الرئيس إلى أن تم انتخابه في يونيو 1956 رئيساً منتخباً لجمهورية مصر العربية بعد حصوله في استفتاء شعبي على نسبة 99,8% (!!!) من مجموع الأصوات.
القطط والكلاب أوفى من البشر أحيانا؟!
لم يجد أول رئيس جمهورية مصري من سلوى إلا تربية القطط والكلاب.. طيلة 30 عاما هي فترة إقامته الجبرية في منزل بعيد بضاحية المرج، مُنع من مقابلة أحد حتى إنه ظل لسنوات عديدة يغسل ملابسه بنفسه، حتى سمح له جنوده "ضباط الثورة" بخادم عجوز يرعاه، ولم يقفوا معه عند هذا الحد بل تفننوا في إيلامه وتعذيبه ، وانسحب ذلك على أسرته أيضًا وتلك مأساة أخرى، فابنه الأكبر "فاروق" اتهم بمعاداة النظام بعد أن افتعل معه أحد أفراد الشرطة مشاجرة وزج به في السجن ليتعرض لأقسى ألوان التعذيب النفسي والجسدي ثم يخرج ليموت كمدا وقهرا.
والابن الأوسط "علي" الذي كان يكمل دراسته بألمانيا، ويقوم بنشاط هام في الدفاع عن القضية العربية وعن مصر ضد من يهاجمونها، اتُّهم من قبل أصدقاء والده القدامى الذين لم يعجبهم أمره بأنه يريد أن يعيد صورة والده إلى الأضواء، وقُتل في بلاد الغربة وأحضروا جثته، ومُنع الأب رغم توسلاته من شهود دفن ابنه أو الصلاة عليه، ولم يتبق له من الدنيا سوى ابنه الأصغر يوسف الذي تعثر في دراسته، وحصل على شهادة متوسطة ثم التحق للعمل بالحكومة، وتم فصله بقرار رئاسي (!!) ولم يجد أمامه إلا أن يعمل سائقا للتاكسي.
رحل الرجل في صمت في أوائل الثمانينيات بهدوء شائن لكل الأطراف ليترك لنا كتابه "كنت رئيسا لمصر" الذي حكى فيه مذكراته دون أن يسب أحدا أو ينال من أحد حتى أعنف ظالميه، وليترك علامات تعجب حول معاني الوفاء والغدر، وسؤال كبير لا يزال يطرق أذهاننا: ألا يصلح الطيبون للسياسة في أوطاننا؟

في آخر سطور كلمته للتاريخ يقول: «والآن لم يعد عندي حديث، ولم يعد عندي ما يقال ولم يعد عندي إلا رجاء وهو أن أدفن في السودان بجوار أبي وخالي هناك»
******************************
المصــــادر:
الوثائق الخاصة بالرئيس محمد نجيب - عادل حمودة
كنت رئيسا لمصر – محمد نجيب سيرة ذاتية
عدد من المجلات والجرائد المصرية.


ولد‏ ‏محمد‏ ‏نجيب‏ ‏بمدينة‏ ‏الخرطوم‏ ‏بالسودان‏ ‏في‏19‏فبراير‏ ‏عام‏ 1901‏حيث‏ ‏كان‏ ‏والده‏ ‏ضابطا‏ ‏بالجيش‏ ‏المصري‏ ‏بالسودان‏ ‏وهو‏ ‏اليوزباشي‏ ‏يوسف‏ ‏نجيب‏ ‏ذو‏ ‏الجنسية‏ ‏المصرية‏ ‏ووالدته‏ ‏السيدة‏ ‏زهرة‏ ‏مصرية‏ ‏الجنسية‏ ‏وليست‏ ‏سودانية‏ ‏كما‏ ‏يدرس‏ ‏في‏ ‏كتب‏ ‏التاريخ‏ ‏فهي‏ ‏ابنة‏ ‏الأميرالاي‏ ‏محمد‏ ‏بك‏ ‏عثمان‏ ‏من‏ ‏المحلة‏ ‏الكبري‏ ‏وكان‏ ‏ضابطا‏ ‏بالجيش‏ ‏المصري‏ ‏بالسودان‏ , ‏وعندما‏ ‏قامت‏ ‏الثورة‏ ‏المهدية‏ ‏بالسودان‏ ‏طلب‏ ‏منه‏ ‏الانسحاب‏ ‏ولكنه‏ ‏رفض‏ ‏وعندما‏ ‏انتصرت‏ ‏الثورة‏ ‏المهدية‏ ‏قام‏ ‏برفع‏ ‏راية‏ ‏بيضاء‏ ‏علي‏ ‏منزل‏ ‏محمد‏ ‏بك‏ ‏عثمان‏ ‏حتي‏ ‏لا‏ ‏يقترب‏ ‏إليه‏ ‏أحد‏ ‏تقديرا‏ ‏لشجاعته‏ ‏وبالفعل‏ ‏هاجم‏ ‏الثوار‏ ‏كل‏ ‏المنازل‏ ‏عدا‏ ‏منزله‏.‏
كان‏ ‏اليوزباشي‏ ‏يوسف‏ ‏نجيب‏ ‏متزوجا‏ ‏من‏ ‏سيدة‏ ‏سودانية‏ ‏قبل‏ ‏الزواج‏ ‏من‏ ‏السيدة‏ ‏زهرة‏-‏وأنجب‏ ‏منها‏ ‏ابنا‏ ‏وحيدا‏ ‏سمي عباس توفي‏ ‏في‏ ‏سن‏ ‏مبكرة‏,‏ثم‏ ‏تزوج‏ ‏السيدة‏ ‏زهرة‏ ‏وأنجب‏ ‏ثلاثة‏ ‏أولاد‏ ‏وست‏ ‏فتيات‏ ‏وهم‏ ‏اللواء‏ ‏محمد‏ ‏نجيب‏ ‏واللواء‏ ‏علي‏ ‏الذي‏ ‏كان‏ ‏قائدا‏ ‏لقسم‏ ‏القاهرة‏ ‏ليلة‏23‏يوليو‏ ‏وقبض‏ ‏عليه‏ ‏ضمن‏ ‏كبار‏ ‏ضابط‏ ‏الجيش‏ ‏ثم‏ ‏عين‏ ‏بعد‏ ‏نجاح‏ ‏الثورة‏ ‏سفيرا‏ ‏لمصر‏ ‏في‏ ‏سورية‏ ‏قبل‏ ‏إحالته‏ ‏علي‏ ‏المعاش‏ ‏عام‏1954‏والابن‏ ‏الثالث‏ ‏هو‏ ‏الدكتور‏ ‏محمود‏ ‏الأستاذ‏ ‏بكلية‏ ‏الطب‏ ‏البيطري‏ ‏جامعة‏ ‏القاهرة‏ ‏آنذاك‏,‏أما‏ ‏الشقيقات‏ ‏فهندولت‏,‏ذكية‏,‏سنية‏,‏حميدة‏,‏نعمات‏,‏نجيةوتوفي‏ ‏والده‏ ‏وهو‏ ‏في‏ ‏الثالثة‏ ‏عشر‏ ‏من‏ ‏عمره‏,‏ثم‏ ‏التحق‏ ‏بكلية‏ ‏غوردون‏ ‏بالخرطوم‏ ‏في‏ ‏عام‏1913.‏
ويذكر‏ ‏أنه‏ ‏أثناء‏ ‏الدراسة‏ ‏بكلية‏ ‏غوردون‏ ‏تعرض‏ ‏محمد‏ ‏نجيب‏ ‏للجلد‏ ‏ثلاث‏ ‏مرات‏ ‏عندما‏ ‏أملي‏ ‏عليهم‏ ‏مدرس‏ ‏اللغة‏ ‏الإنجليزية‏ ‏قطعة‏ ‏إملاء‏ ‏قال‏ ‏فيها‏ ‏إن‏ ‏مصر‏ ‏يحكمها‏ ‏البريطانيون ‏, ‏فتوقف‏ ‏محمد‏ ‏نجيب‏ ‏عن‏ ‏الكتابة‏ ‏وصرخ‏ ‏في‏ ‏وجهه‏:‏عفوا‏ ‏سيدي ‏: ‏مصر‏ ‏تحتلها‏ ‏بريطانيا‏ ‏فقط‏ ‏ولكنها‏ ‏مستقلة‏ ‏داخليا‏ ‏وتابعة‏ ‏لتركيا‏ ‏فتم‏ ‏جلده‏ ‏فكان‏ ‏متأثرا‏ ‏بكتابات‏ ‏مصطفي‏ ‏كامل‏ ‏ضد‏ ‏الإنجليز‏ ‏وبعد‏ ‏التخرج‏ ‏لم‏ ‏يسمحوا‏ ‏له‏ ‏بمزاولة‏ ‏مهنة‏ ‏التدريس‏ ‏لميوله‏ ‏الوطنية‏ ‏وكرهه‏ ‏للاستعمار‏ ‏فعمل‏ ‏موظفا‏ ‏صغير‏ا ‏علي‏ ‏آلة‏ ‏كاتبة‏ ‏براتب‏ ‏ضئيل‏ ‏شهري‏ ‏وجنيهين‏ ‏و‏30‏مليما‏ ‏معاشا‏ ‏شهريا ‏ثم‏ ‏قرر‏ ‏نجيب‏ ‏دخول‏ ‏المدرسة‏ ‏الحربية‏,‏وحين‏ ‏صرح‏ ‏برغبته‏ ‏لصديقه إبراهيم‏ ‏عرابي‏ ‏ابن‏ ‏أحمد‏ ‏عرابي‏ ‏باشا‏,‏قال‏ ‏له إن‏ ‏الضابط‏ ‏في‏ ‏بلد‏ ‏محتل‏ ‏ليس‏ ‏إلا‏ ‏مقاول‏ ‏أنفار‏ ‏للحفر‏ ‏والردم‏ ‏ومتابعة‏ ‏أعمال‏ ‏السكك‏ ‏الحديدية‏.‏
تم‏ ‏استدعاؤه‏ ‏لكشف‏ ‏الهيئة‏ ‏ولكن‏ ‏لم‏ ‏يقبل‏ ‏لقصر‏ ‏قامته‏ ‏سنتيمتر‏ ‏واحد‏ ‏فظل‏ ‏يتظلم‏ ‏بحماس‏,‏وعند‏ ‏دخوله‏ ‏الفرقة‏ ‏الخامسة‏ ‏لم‏ ‏يمكث‏ ‏فيها‏ ‏سوي‏24‏ساعة‏ ‏حيث‏ ‏كانت‏ ‏معلوماته‏ ‏تؤهله‏ ‏للانتقال‏ ‏فورا‏ ‏إلي‏ ‏الغرفة‏ ‏الرابعة‏ ‏وبعد‏ ‏شهرين‏ ‏دخل‏ ‏امتحانا‏ ‏فكان‏ ‏ترتيبه‏ ‏الأول‏ ‏بفارق‏107‏درجات‏ ‏عن‏ ‏الثاني‏,‏ثم‏ ‏التحق‏ ‏بالجيش‏ ‏فتخرج‏ ‏ضابطا‏ ‏وبدأ‏ ‏في‏ ‏المذاكرة‏ ‏مرة‏ ‏أخري‏ ‏حتي‏ ‏حصل‏ ‏علي‏ ‏الكفاءة‏ ‏ثم‏ ‏البكالوريا‏,‏ثم‏ ‏حصل‏ ‏علي‏ ‏ليسانس‏ ‏الحقوق‏ ‏في‏ ‏مايو‏1927‏ م ثم‏ ‏حصل‏ ‏علي‏ ‏دبلوم‏ ‏الدراسات‏ ‏العليا‏ ‏في‏ ‏الاقتصاد‏ ‏السياسي‏,‏ويذكر‏ ‏أنه‏ ‏عندما‏ ‏كان‏ ‏جالسا‏ ‏في‏ ‏امتحان‏ ‏الاقتصاد‏ ‏السياسي‏ ‏عام‏1929‏كان‏ ‏نجيب‏ ‏الهلالي‏ ‏يجلس‏ ‏بجواره‏ ‏وتعرف‏ ‏عليه‏ ‏ولكنه‏ ‏لم‏ ‏يتصور‏ ‏أنه‏ ‏سيكون‏ ‏رئيسا‏ ‏للحكومة‏ ‏يوم‏ ‏ثورة‏23‏يوليو‏ ‏والتي‏ ‏كان‏ ‏عليه‏ ‏إسقاطها‏.‏
سافر‏ ‏محمد‏ ‏نجيب‏ ‏من‏ ‏الخرطوم‏ ‏للقاهرة‏ ‏لمساندة‏ ‏ثورة‏1919‏وكان‏ ‏يري‏ ‏أن‏ ‏الجيش‏ ‏لا‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏ينفصل‏ ‏عن‏ ‏الشعب‏,‏وبعد‏ ‏انتقال‏ ‏محمد‏ ‏نجيب‏ ‏للقاهرة‏ ‏أرسل‏ ‏لإحضار‏ ‏العائلة‏ ‏من‏ ‏السودان‏,‏ثم‏ ‏تزوج‏ ‏محمد‏ ‏نجيب‏ ‏عام‏1927 ‏وهو‏ ‏ملازم‏ ‏أول‏ ‏من‏ ‏السيدة‏ ‏زينب‏ ‏أحمد‏ ‏وأخذ‏ ‏شقة‏ ‏بعمارة‏ ‏رقم‏24 ‏بشارع‏ ‏المنيل‏ ‏وأنجب‏ ‏منها‏ ‏طفلين‏ ‏وتوفيا‏,‏ثم‏ ‏تزوج‏ ‏من‏ ‏سيدة‏ ‏أخري‏ ‏تدعي‏ ‏عائشة‏ ‏لبيب‏ ‏من‏ ‏عائلة‏ ‏كبيرة‏ ‏وأنجب‏ ‏منها‏ ‏ثلاثة‏ ‏أولاد‏ ‏هم فاروق وتم‏ ‏تعديل‏ ‏اسمه‏ ‏بعد‏ ‏الثورة‏ ‏إلي صلاح‏,‏وعلي ويوسف وكانوا‏ ‏يقيمون‏ ‏بفيلا‏ ‏بحدائق‏ ‏القبة‏ ‏قبل‏ ‏الانتقال‏ ‏إلي‏ ‏حلمية‏ ‏الزيتون‏.‏
ويرو‏ ‏اللواء‏ ‏حسن‏ ‏سالم‏ ‏أن‏ ‏محمد‏ ‏نجيب‏ ‏قبل‏1948‏عمل‏ ‏مأمورا‏ ‏لقسم‏ ‏شرطة‏ ‏مصر‏ ‏القديمة‏ ‏بعد‏ ‏الاستغناء‏ ‏عن‏ ‏عدد‏ ‏من‏ ‏الضباط‏ ‏ولكن‏ ‏مع‏ ‏بداية‏ ‏حرب‏ ‏فلسطين‏ ‏عاد‏ ‏اللواء‏ ‏نجيب‏ ‏وكان‏ ‏الضابط‏ ‏الوحيد‏ ‏برتبة‏ ‏عميد‏ ‏وكان‏ ‏يقود‏ ‏لواءين‏ ‏من‏ ‏القوات‏ ‏لكفاءته‏ ‏وكان‏ ‏يتقدم‏ ‏دائما‏ ‏الصفوف‏ ‏الأمامية‏ ‏بشجاعة‏ ‏وعاد‏ ‏لمصر‏ ‏ليعالج‏ ‏وهذه‏ ‏هي‏ ‏الإصابة‏ ‏السابعة‏ ‏لنجيب‏ ‏طوال‏ ‏حياته‏ ‏في‏ ‏المعارك‏ ‏الحربية‏.‏
وبعد‏ ‏ذلك‏ ‏تم‏ ‏اختيار‏ ‏محمد‏ ‏نجيب‏ ‏ليكون‏ ‏قائد‏ ‏تنظيم‏ ‏الضابط‏ ‏الأحرار‏ ‏لخبرته‏ ‏وكفاءته‏ ‏وبالفعل‏ ‏استطاع‏ ‏أن‏ ‏يقود‏ ‏حركة‏ ‏التغيير‏,‏ وكان محمد نجيب لواء أركان حرب فى الجيش المصرى

أصبح محمد نجيب قائد عام الجيش المصرى وكان محمد نجيب‏ ‏السبب‏ ‏الأول‏ ‏والأساسي‏ ‏في‏ ‏نجاح‏ ‏الثورة‏

‏وفي‏ ‏الساعة‏ ‏السابعة‏ ‏والنصف‏ ‏صباح‏23‏يوليو‏1952‏ موقد‏ ‏كان‏ ‏أول‏ ‏بيان‏ ‏لحركة‏ ‏يوليو‏ ‏يذاع‏ ‏باسم‏ ‏محمد‏ ‏نجيب ‏وقد أعلن فيه " قيام الجيش المصرى بحركة سلمية لصالح الوطن " ‏ولم يكن المواطن المصرى العادى يفهم ما هية هذه الحركة وقد قامت حركة الضباط فى الإستيلاء على مرافق البلاد الهامة والحيوية

** ثم أعقب ذلك أستقالة وزارة الهلالى , وكلف على ماهر بتأليف الوزارة وإختيار أعضاء وزارته .

** وفى 24/7/1952 م وافق الملك فاروق على مطالب الجيش فقام اللواء محمد نجيب بالأعلان أن الجيش سيظل مشرفاً على المرافق العامة حتى تحقق حركة الضباط الأحرار ما تهدف إليه وتم أيضاً إلغاء مصيف الحكومة بالأسكندرية

** فى 25/7/1952م قام اللواء محمد نجيب بالسفر إلى الأسكندرية والأجتماع بقيادة الأسطول المصرى الذى قام بتأييد الجيش فى حركته

** فى 26/7/1952م وجه محمد نجيب أنذاراً إلى الملك فاروق بالتنازل عن العرش ومغادرة البلاد , وقامت قوات الجيش بمحاصرة القصور الملكية فى الأسكندرية : رأس التين والمنتزة .. وفى القاهرة : عابدين والقبة

وقام الملك فاروق بالتنازل عن العرش وتوقيع الوثيقة الخاصة بذلك ومغادرة البلاد فى الساعة السادسة , وعند تنازل الملك فاروق عن العرش تولى مجلس الوزراء سلطات الملك مجلس الوزراء لحين تعيين مجلس وصاية على الملك الجديد.

** وفى 27 /7/1952 م أقسم الوزراء اليمين الدستورية أمام مجلس الوزراء , ثم قام على ماهر بالأجتماع مع رؤساء الأحزاب .

** وفى 28/7/1952 م عاد الضباط الحرار والحكومة إلى القاهرة وتم الأفراج عن بعض الضباط الذين قبض عليهم أثناء الثورة .

وانحاز محمد نجيب‏ ‏منذ‏ ‏بداية‏ ‏الحركة‏ ‏إلي‏ ‏جانب‏ ‏الديموقراطية‏ ‏والحرية‏ ‏واحترام‏ ‏الدستور‏ ولكنه‏ ‏وجد‏ ‏أنه‏ ‏بذلك‏ ‏يسير‏ ‏ضد‏ ‏اتجاه‏ ‏معظم‏ ‏زملائه‏ ‏في‏ ‏القيادة‏ ‏حيث‏ ‏المسيرة‏ ‏في‏ ‏غير‏ ‏الاتجاه‏ ‏السليم‏ ‏وأن‏ ‏ضحايا‏ ‏الثورة‏ ‏في‏ ‏تزايد‏ ‏مستمر‏ ‏وأن‏ ‏حكم‏ ‏مصر‏ ‏يتجه‏ ‏إلي‏ ‏دكتاتورية‏ ‏الفكر‏ ‏والرأي‏ ‏وأن‏ ‏القرار‏ ‏السياسي‏ ‏من‏ ‏هذا‏ ‏المنطلق‏ ‏لن‏ ‏يتناسب‏ ‏مع‏ ‏الأحداث‏ ‏ولن‏ ‏يكون‏ ‏حاسما‏ ‏وتلك‏ ‏كارثة‏,‏فتحمل‏ ‏مالا‏ ‏يحتمله‏ ‏بشر‏ ‏من‏ ‏أجل‏ ‏المبادئ‏ ‏حتي‏ ‏تمكنوا‏ ‏من‏ ‏إزاحته‏...‏فقال‏ ‏له‏ ‏عبد‏ ‏الحكيم‏ ‏عامر‏ ‏ومعه‏ ‏حسن‏ ‏إبراهيم‏ ‏في‏ ‏خجل‏ ‏إن‏ ‏مجلس‏ ‏قيادة‏ ‏الثورة‏ ‏قرر‏ ‏إعفاءكم‏ ‏من‏ ‏منصب‏ ‏رئيس‏ ‏الجمهورية‏ ‏وأخبره‏ ‏عبد‏ ‏الحكيم‏ ‏عامر‏ ‏أن‏ ‏اقامته‏ ‏في‏-‏المرج‏ ‏باستراحة‏ ‏السيدة‏ ‏زينب‏ ‏الوكيل‏-‏لن‏ ‏تزيد‏ ‏علي‏ ‏بضعة‏ ‏أيام‏ ‏ويعود‏ ‏بعدها‏ ‏إلي‏ ‏بيته‏ ‏ولكن‏ ‏إقامته‏ ‏بالمرج‏ ‏استمرت‏ ‏حوالي‏29‏سنة‏ ‏تقريبا‏....‏ولقد‏ ‏حزن‏ ‏محمد‏ ‏نجيب‏ ‏عند‏ ‏دخوله‏ ‏الفيلا‏ ‏في‏1954/11/14‏لأول‏ ‏مرة‏,

خطف الرئيس محمد نجيب

‏وفي‏ ‏نوفمبر‏1956‏خطف‏ ‏من‏ ‏معتقل‏ ‏المرج‏ ‏إلي‏ ‏صعيد‏ ‏مصر‏ ‏وقيل‏ ‏إنه‏ ‏كان‏ ‏من‏ ‏المقرر‏ ‏قتله‏ ‏في‏ ‏حاله‏ ‏دخول‏ ‏الإنجليز‏ ‏القاهرة‏ ‏أثناء‏ ‏العدوان‏ ‏الثلاثي‏ ‏علي‏ ‏مصر‏ ‏وذلك‏ ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏سرت‏ ‏إشاعه‏ ‏قوية‏ ‏تقول‏ ‏إن‏ ‏إنجلترا‏ ‏ستسقط‏ ‏بعض‏ ‏جنود‏ ‏المظلات‏ ‏علي‏ ‏فيلا زينب‏ ‏الوكيلفي‏ ‏المرج‏ ‏لاختطاف‏ ‏اللواء‏ ‏نجيب‏ ‏وإعادة‏ ‏فرضه‏ ‏رئيسا‏ ‏للجمهورية‏ ‏من‏ ‏جديد‏ ‏بدلا‏ ‏من‏ ‏الرئيس‏ ‏جمال‏ ‏عبد‏ ‏الناصر‏ ‏فانتهز‏ ‏ركوبه‏ ‏السيارة‏ ‏في‏ ‏رحلة‏ ‏العودة‏ ‏فقام‏ ‏بكتابة‏ ‏ورقة‏ ‏استغاثة‏ ‏وقام‏ ‏بإلقائها‏ ‏من‏ ‏السيارة‏ ‏يؤكد‏ ‏فيها‏ ‏اختطافه‏.‏

ثورة أم عورة
ويضيف‏ ‏أيضا‏ ‏الرئيس‏ ‏نجيب‏:‏
لقد‏ ‏قمنا‏ ‏بثورة‏....‏فإذا‏ ‏بهم‏ ‏يحولونها‏ ‏إلي‏ ‏عورة‏!‏
قمنا‏ ‏من‏ ‏أجل‏ ‏الناس‏...‏فإذا‏ ‏بهم‏ ‏يعملون‏ ‏من‏ ‏أجل‏ ‏أنفسهم‏ , ‏قمنا‏ ‏من‏ ‏أجل‏ ‏رفع‏ ‏مستوي‏ ‏المعيشة‏ ,‏ فإذا‏ ‏بهم‏ ‏يعملون‏ ‏علي‏ ‏خفض‏ ‏مستوي‏ ‏كرامة‏ ‏البشر‏.‏
ونعود‏ ‏لمأساة‏ ‏أبناء‏ ‏محمد‏ ‏نجيب‏ ‏كما‏ ‏قال‏ ‏الدكتور‏ ‏رفعت‏ ‏يونان‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏وثائق‏ ‏محمد‏ ‏نجيب‏ ‏الخاصة‏-‏إن‏ ‏ابنه‏ ‏فاروق‏ ‏أرسله‏ ‏والده‏ ‏قبل‏ ‏الثورة‏ ‏للتعليم‏ ‏في‏ ‏ألمانيا‏ ‏ولكنه‏ ‏فشل‏ ‏وعندما‏ ‏كبر‏-‏وكان‏ ‏والده‏ ‏في‏ ‏المرج‏-‏تم‏ ‏القبض‏ ‏عليه‏ ‏واتهموه‏ ‏بالاعتداء‏ ‏علي‏ ‏النظام‏ ‏وظل‏ ‏ستة‏ ‏شهور‏ ‏بسجن‏ ‏طره‏ ‏ثم‏ ‏خرج‏ ‏مصابا‏ ‏بالقلب‏,‏أما‏ ‏الابن‏ ‏الأوسط علي كان‏ ‏يدرس‏ ‏في‏ ‏ألمانيا‏ ‏وكان‏ ‏متفوقا‏ ‏في‏ ‏جامعة‏ ‏هانوفر‏ ‏وكان‏ ‏دائم‏ ‏الدفاع‏ ‏عن‏ ‏مصر‏ ‏ومهاجمة‏ ‏إسرائيل‏ ‏وفي‏ ‏ذات‏ ‏يوم‏ ‏قام‏ ‏بحرق‏ ‏العلم‏ ‏الإسرائيلي ‏,‏ وبعد‏ ‏أيام‏ ‏تم‏ ‏قتله‏ ‏في‏ ‏أحد‏ ‏شوارع‏ ‏ألمانيا‏,‏أما‏ ‏الابن‏ ‏الأصغر‏ ‏يوسف‏ ‏فقد‏ ‏أصيب‏ ‏في‏ ‏صغره‏ ‏عندما‏ ‏سقط‏ ‏من‏ ‏سطح‏ ‏فيلا‏ ‏حدائق‏ ‏القبة‏ ‏مما‏ ‏الحق‏ ‏ضعفا‏ ‏في‏ ‏الرأس‏ ‏والتركيز‏ ‏وتم‏ ‏فصله‏ ‏من‏ ‏العمل‏.‏
وينتهي‏ ‏الرئيس‏ ‏بأنه‏ ‏دفع‏ ‏ثمن‏ ‏هذه‏ ‏الكلمة‏ ‏الخالدة الديموقراطية‏.‏
رحل‏ ‏محمد‏ ‏نجيب‏ ‏عام‏1984‏بهدوء‏ ‏ليترك‏ ‏لنا‏ ‏كتابه كنت‏ ‏رئيسا‏ ‏لمصرليترك‏ ‏علامات‏ ‏تعجب‏ ‏حول‏ ‏معاني‏ ‏الوفاء‏ ‏والغدرعهد الثورة
الثــــــــورة
1371هـ / 1952م
فى 23 يوليو 1952م قامت مجموعة من الضباط الاحرار بالثورة على الحكم الملكى وكانوا يروجون أنهم يهدفون إلى القضاء على الفساد الذى استشرى فى اجهزة الحكم فى ظل عهد الملك فاروق الاول ..
وأجبرت الثورة الملك فاروق على التنازل عن العرش لابنه احمد فؤاد الثانى الطفل احمد فؤاد الثانى وفى 26 يوليو 1952 فى قصر التين بالاسكندرية وقع الملك فاروق وثيقة التنازل عن العرش لابنه .

وتم تشكيل مجلسس للوصاية على العرش ولكن دور مجلس الوصايه كان مهملاً وضعيفاً ولم يكن له اى اختصاصات وكان الدور الفعلى لمجلس الوزراء والذى كان برأسه منذ قيام الثورة على باشا ماهر

وفى 9 سبتمبر 1952م تولى رئاسه مجلس الوزراء اللواء محمد نجيب بالاضافة الى منصبه كقائد عام للجيش الذى تولاه منذ قيام الثوره واضاف محمد نجيب فيما بعد الى هذين المنصبين منصب رئيس مجلس قيادة الثوره عند تكوينه فى وقت لاحق .
وفى 26 يوليو وقع الملك فاروق وثيقة التنازل عن العرش .. وقد قاد جمال عبد الناصر (باجماع الاراء) الثورة وحدد ساعه الصفر وساعده مجموعة من زملائه وكان لكل دوره فى انجاح الثورة , واختارت الثورة اللواء محمد نجيب صاحب الشعبية الكبيرة قائدا عاما للجيش الذى تولاه عند قيام الثورة


الرئيس محمد نجيب 1953م - 1954م أول رئيس لجمهورية مصر فى سطور:
- محمد نجيب ( 1901 - 1984 )

ولد فى السودان
خدم وعمل ضابطا بالجيش المصرى وترقى حتى وصل إلى رتبة لواء ثم رأس ثورة الجيش فى يوليو 1952 . اول رئيس لجمهورية مصر عند اعلانها فى يونيو 1953 والى ان تم نحيته فى نوفمبر 1954 وحددت اقامته بعض الوقت فى منزله ثم اعيدت له حريته الى ان توفى فى 1984 بالقاهرة

الصورة الجانبية الرئيس محمد نجيب ويقف خلفه محمد أنور السادات
و في 23 يوليو 1952 قامت الثورة ،ولم تلقَ مقاومة تذكر، ولم يسقط في تلك الليلة سوى ضحيتين فقط، هما الجنديان اللذان قتلا عند اقتحام مبنى القيادة العامة. وكان الضباط الأحرار قد اختاروا محمد نجيب رئيسا لحركتهم، وذلك لما يتمتع به من احترام وتقدير ضباط الجيش؛ وذلك لسمعته الطيبة وحسه الوطني، فضلا عن كونه يمثل رتبة عالية في الجيش، وهو ما يدعم الثورة ويكسبها تأييدا كبيرا سواء من جانب الضباط، أو من جانب جماهير الشعب
له مواقفه الوطنية المشرفة قبل الثورة مما ادى الى استعانة الضباط الاحرار به كقائد للثورة وشغل منصب قائد عام للجيش ورئيسا لمجلس قيادة الثورة . وبالاضافة الى هذا شغل منصب رئيس مجلس الوزراء فى 9 سبتمبر 1952م
ويعتبر محمد نجيب اول رئيس لجمهورية مصر عند اعلانها فى 18 يونيو 1953م وحتى نوفمبر 1954م

وفى 18 يونيو 1953 تم الغاء الملكية واعلان الجمهورية فى مصر وتم تعيين محمد نجيب رئيسا لجمهورية مصر وفى مارس 1954 عين جمال عبد الناصر رئيسا لمجلس الوزراء ومجلس قيادة الثورة معا .

وفى 14 نوفمبر 1954 اعلنت الحكومة توقف محمد نجيب عن ممارسة سلطاته كرئيس للجمهورية وان البكباشى جمال عبد الناصر سوف تؤول اليه اختصاصاته وبقى منصب رئيس الجمهورية شاغرا بناء على قرار من مجلس قيادة الثورة الى ان اجرى استفتاء على رئيس الجمهورية بعد حوالى تسعه عشر شهرا وانتخب عبد الناصر رئيسا للجمهورية فى 23 يونيو 1956 .
‏وفى 18 يونيو 1953 تم الغاء الملكية واعلان الجمهورية فى مصر وتم تعيين محمد نجيب رئيسا لجمهورية مصر وفى مارس 1954 عين جمال عبد الناصر رئيسا لمجلس الوزراء ومجلس قيادة الثورة معا وفى 14 نوفمبر 1954 اعلنت الحكومة توقف محمد نجيب عن ممارسة سلطاته كرئيس للجمهورية وان البكباشى جمال عبد الناصر سوف تؤول اليه اختصاصاته وبقى منصب رئيس الجمهورية شاغرا بناء على قرار من مجلس قيادة الثورة الى ان اجرى استفتاء على رئيس الجمهورية بعد حوالى تسعه عشر شهرا وانتخب عبد الناصر رئيسا للجمهورية فى 23 يونيو 1956 م .

محمد نجيب فى سطور
• مواليد 20 فبراير 1901 - الخرطوم من أب مصري وأم سودانية وعاش مع والده البكباشي بالجيش المصري يوسف نجيب حتى
عام 1917حين حصل على الثانوية العامة .

• تخرج ضابط بسلاح المشاة في عام 1921 من مدرسة الحربية .
• حصل على إجازة الحقوق عام 1927 والدكتوراه في الاقتصاد السياسي عام 1931 وشهادة عليا أركان الحرب عام 1938 .
• اشترك في القتال ضد القوات الألمانية عام 1943 .
• اشترك في حرب فلسطين عام 1948 من خلال معارك القبة ودير البلح .
• أصيب في حرب فلسطين 3 مرات .
• رشح وزيرا للحربية في وزارة نجيب الهلالي لكن القصر الملكي عارض ذلك بسبب شخصيته المحبوبة لدى ضباط الجيش .
• انتخب رئيسا لنادى الضباط في يوليو 1952 .
• اختار الضباط الأحرار اللواء محمد نجيب ليكون قائدا للثورة لما كان يتمتع به من شخصية صارمة في التعامل العسكري وطيبة وسماحة في التعامل المدني .
•أول رئيس للجمهورية بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952 .
• شكل أول حكومة للثورة في سبتمبر 1952 .
• أعلن الجمهورية في 18 يونيو 1953 وتولي رئاسة الجمهورية .
• تم عزله من رئاسة الجمهورية في فبراير 1954 .
• توفى في 28 أغسطس 1984‏

******************************

الأخبار 7/5/2007 السنة 55 العدد 17178 عن مقالة بعنوان " وقائع التاريخ بين الحقيقة .. والتأليف اللواء جمال حماد.. يصحح روايات هيكل للتاريخ '1' "

في العدد 931 من آخر ساعة بتاريخ 27 اغسطس 1952، بعد شهر واحد من ثورة يوليو كتب هيكل تحقيقا صحفيا علي صفحتين تحت عنوان: 'من هم ضباط قيادة محمد نجيب' قال صلاح منتصر :
'كان قادة الحركة قد الزموا انفسهم حتي ذلك الوقت بعدم اعلان صورهم واسمائهم مكتفين بمنح محمد نجيب كل الاضواء، وكتب هيكل ايضا دون ان يوقع اسمه ولكن الاسلوب يكشف صاحبه ،ان بين الحفاظ علي حق الضباط في منع ذكر اسمائهم وحق الرأي العام في ان يعرف عنهم، فانه اختار ان يرسم لسبعة منهم صورة كلامية وكانت اول صورة تحمل رقما واحدا لشخصية كتب عنوانا لها 'السكون الذي ترقد تحته عاصفة'

كانوا يطلقون على عبد الناصر أسم جيمى

وقال هيكل عن شخصية عبدالناصر ما يلي:
'سمعت عنه قبل ان القاه كانوا يتحدثون عنه في الفالوجة المحصورة كما يتحدثون عن الخرافات والجن والعمالقة، كان جريئا الي ابعد حدود الجرأة، وفي نفس الوقت هادئا الي ابعد حدود الهدوء وكان كل زملائه يحبونه، واشتهر بينهم باسم تدليل كانوا يطلقونه عليه 'الاسم الذي يقصده هيكل هو 'جيمي' وكان كثيرون في الفالوجة يحبون الاستماع اليه، ثم استطرد هيكل قائلا: ثم التقيت به لاول مرة 'اخطر اعتراف من هيكل حين كان وقتئذ يكتب الحقائق' وكان اللقاء في بيت اللواء محمد نجيب 'قبل اربعة ايام' اي انه يقصد يوم 19 يوليو من حركة القوات المسلحة وكان يبدو ابعد بكثير عن كل ما سمعته عنه.
القوات المصرية قد خسرت معركة 'نجبا'

وقد استند اللواء جمال حماد الي مقال جلال ندا المنشور بمجلة الدستور اللبنانية في 18 اكتوبر 1976 تحت عنوان 'مغالطات تاريخية في مقال هيكل.. هيكل تعرف علي عبدالناصر عام 1952 وليس عام 1948'.. وقد ورد ضمن مقاله ما يلي:
'من مفكرتي عام 1948 وتحت يوم 2 يونيو سجلت، في تمام الساعة الرابعة، حضر هيكل والمصور محمد يوسف لعمل 'تحقيق صحفي' لجريدة أخبار اليوم وسمحت لهما بالدخول وقابلتهما وانا في حالة يرثي لها، اذ كانت القوات المصرية قد خسرت معركة 'نجبا' في ذلك اليوم، وكانت المعركة تدار من قسم البوليس الذي اتولي قيادته'.
وقد سجل جلال ندا في المقال جزءا مهما من التحقيق الصحفي الذي اجراه الاستاذ هيكل بجريدة أخبار اليوم العدد رقم 187 بتاريخ 5 يونيو 1948 اي بعد ثلاثة ايام فقط من واقعة اللقاء بعنوان 'اخبار اليوم كانت هناك في الصف الاول في ميدان القتال' وقد تضمن التحقيق ما يلي:
يفتح احد الجنود امامك ثغرة في الاسلاك الشائكة تزحف منها الي الحصن المنيع ويرمقك الجنود الذين يحرسون بابه المصفح بنظرة استطلاع، ثم يأتيك ضابط القسم اليوزباشي جلال حسن 'الاسم الثلاثي هو جلال حسن ندا' لتسمع منه نبأ المعركة.. الخ'.
ويستطرد المقدم جلال ندا قائلا في مقاله:
'من هنا يتضح ان هيكل اورد الوقائع التي تتعلق بي ونسبها الي عبدالناصر، فأنا الضابط الوحيد في فلسطين ما بين غزة وبيت جبرين الذي كان يحتل مبني قسم البوليس ويدافع عنه وهو مركز عراق سويدان حتي انه اصبح لايذكر اسم جلال ندا الا ويقرن ببطل عراق سويدان'.

كان عبدالناصر يشغل منصب اركان حربها كانت في ذلك التوقيت في قطاع 'اسدود' وهي مدينة تقع في شمال 'المجدل' وبجوار ساحل البحر الابيض المتوسط، وتقع عراق المنشية الي الشرق منها وعلي مسافة لاتقل عن 50 كيلو مترا، وبالاضافة الي ذلك لم يتم تحرك هذه الكتيبة الي قطاع الفالوجة عراق المنشية الا بعد اكثر من ثلاثة شهور في موعد اجراء التحقيق الصحفي الذي اجري يوم 2 يونيو 1948 وتؤيد هذه الحقيقة يوميات المقدم جمال عبدالناصر نفسه عن حرب فلسطين فقد ورد في الصفحتين 346 و347 ما يلي:
في صباح الخميس 9 سبتمبر دعينا الي مؤتمر في رئاسة القوات 'بالمجدل' وهناك علمنا ان كتيبتنا سوف تتسلم خطا جديدا بين عراق المنشية وبيت جبرين وسبقت كتيبتي الي الخط الجديد، وبدأت سرايانا تصل الي مواقعها واحدة بعد اخري، وبدأت استكشف المنطقة حولي لكي اعرف اين انا، وبالتالي لكي استعد اذا جاء العدو، وكانت عراق المنشية قرية صغيرة تضيق بمن فيه من سكان ومن لاجئين، وكانت علي الطريق الرئيسي الذي يفصل الشمال عن النقب الجنوبي ويمتد من المجدل حتي الخليل'

**********************

الأخبار 9/5/2007 السنة 55 العدد 17176 عن مقالة بعنوان " وقائع التاريخ بين الحقيقة .. والتأليف اللواء جمال حماد.. يصحح روايات هيكل للتاريخ '2' حكاية اللواء الراحل الذي اختلق له هيكل دورا وهميا في أزمة نادي الضباط لغز لقاء الصدفة بين عبد الناصر وهيكل يوم حريق القاهرة وقائع التاريخ بين الحقيقة .. والتأليف اللواء جمال حماد.. يصحح روايات هيكل للتاريخ '2' حكاية اللواء الراحل الذي اختلق له هيكل دورا وهميا في أزمة نادي الضباط لغز لقاء الصدفة بين عبد الناصر وهيكل يوم حريق القاهرة اللواء محمد نجيب يتصدر اجتماع أعضاء مجلس ادارة نادي الضباط

حـــــريق القاهرة

اللقاء الثالث ينتقل اللواء جمال حماد لتفنيد ادعاء اللقاء الثالث فيقول: 'ورد في الصفحة 509 من كتاب هيكل 'سقوط نظام' قصة اللقاء الثالث الذي زعم هيكل انه لم يكن لقاء بالمعني الحقيقي لانه وقع مصادفة عابرة لم تستغرق أكثر من دقائق، وكان ذلك في المساء المبكر من يوم حريق القاهرة '26 يناير 1952' علي رصيف شارع فؤاد الاول '26 يوليو الآن' امام محلات شيكوريل وهي لاتزال مشتعلة ببقايا لهب،وكان جمال قادما من ناحية حديقة الازبكية، وكان هيكل قادما من الاتجاه العكسي، وسأله جمال بصوت مشحون بما يعني القلق ' ما هذا الذي نراه امامنا ومن المسئول عنه'، وكتب هيكل انه لا يتذكر بم رد عليه ولم يكن الظرف يسمح باستفاضة ومضي كل منهما إلي سبيله، وفي الواقع ان قصة وجود عبدالناصر في المساء المبكر من يوم حريق القاهرة في شارع فؤاد الاول '26 يوليو حاليا' أمام محل شيكوريل، الذي كان لايزال مشتعلا ببقايا الحريق أمر يدعو إلي الدهشة والغرابة، فقد كان عبدالناصر حتي حوالي الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر موجودا مع عدد كبير من زملائه ومنهم كاتب هذه السطور في مأدبة الغداء، التي اقامها الملك السابق فاروق ودعا إليها ستمائة من ضباط الجيش والبوليس، احتفالا بسبوع ولي العهد الأمير أحمد فؤاد، وقد غادرنا جميعا قصر عابدين في الوقت الذي كانت فيه الحرائق مشتعلة في أحياء عديدة بالقاهرة، وخاصة منطقة وسط البلد التي يتوسطها شارع فؤاد الاول، والتي اصبحت كتلة من النيران والخراب، فما الذي دفع عبدالناصر بعد وصوله إلي منزله في منشية البكري حوالي منتصف الساعة الخامسة مساء إلي العودة مرة اخري إلي وسط البلد وشارع فؤاد الاول بالذات، وقد شاهد بعينيه مثل كل زملائه مدي ما أصاب هذه المنطقة من دمار وخراب، ومدي خطورة التجول في شوارعها التي خلت تماما من الناس، ولم يكن عبد الناصر ضمن ضباط اللواء السادس مشاة الذي تم انزاله إلي شوارع القاهرة قبيل الغروب، وتم توزيع وحداته علي المرافق الحيوية والاماكن المهمة، واتخذت قيادته من حديقة الازبكية مركزا لها، فقد كان عبدالناصر وقتئذ مدرسا بكلية أركان الحرب ولا علاقة له بالطبع بمهمة اللواء السادس مشاة. الحق والباطل

ويؤكد اللواء جمال حماد أن مقال هيكل الذي نشر بالعدد رقم 931 من مجلة آخر ساعة والذي صدر في 27 أغسطس 1952، أي بعد شهر واحد من قيام ثورة 23 يوليو يقول فيها: 'ثم التقيت به لأول مرة وكان اللقاء في بيت اللواء محمد نجيب قبل أربعة أيام من حركة القوات المسلحة، وكان يبدو أبعد بكثير عن كل ما سمعته عنه، كان يرتدي قميصا ابيض وبنطلونا رمادي اللون وبدا كأنه شاب عادي لولا الشيب الكثير الذي ملأ شعر رأسه، وكنت قبل ان يدخل هو إلي بيت اللواء محمد نجيب جالسا مع اللواء نتحدث عن موضوع الساعة في ذلك الوقت وهو حل مجلس ادارة نادي الضباط، وحين دخل هو واصلنا الحديث في نفس الموضوع، وكان هو ساكنا لا يتكلم ،وقلت له ' هل ستتركون المسألة هذه المرة تمضي'، فقال في هدوء ' ماذا نفعل؟'، قلت ' افعلوا أي شيء ولكن لا يمكن ان تمضي المسألة هكذا'، وقال في بساطة' هذا رأيك؟' قلت في عصبية 'وهل لك انت رأي سواه'، قال وهو يبتسم' لا وانما المهم ان تقولوا لنا ماذا نفعل'، ثم التقيت به للمرة الثانية في الساعة الرابعة من فجر 23 يوليو، كانت الحركة قد فرغت منذ اقل من دقائق وكانت رئاسة الجيش تعيش جوا غريبا'. يعلق اللواء جمال حماد علي هذه الفقرة بقوله: 'من قراءتنا لما كتبه الأستاذ هيكل في مقاله المذكور بمجلة آخر ساعة تتضح لنا حقيقتان مؤكدتان: الاولي: ان أول مرة التقي فيها هيكل مع عبدالناصر كانت في بيت اللواء محمد نجيب بحي الزيتون يوم 19 يوليو 1952 وليس يوم 18 يوليو كما كتب هيكل في كتابه تحت عنوان 'لقاء اقدار في بيت محمد نجيب'، وقد ترتب علي هذا الخطأ أن أضحت الاحداث التالية لهذا اللقاء مبكرة يوما كاملا عن موعدها ومن الغريب ان يحدث هذا الخطأ الذي تسبب في اخطاء كثيرة من بعده، علي الرغم من ان هيكل كتب في الصفحة 499 من كتابه تحت عنوان 'تمهيد قبل رواية قصة حافلة' ما يلي: 'إنني اروي ما عندي في مساحة ما رأيت بعيني أو عرفت عن ثقة أو تابعت إلي آخر الرحلة وفي ذلك لا اركن إلي ما تستطيع الذاكرة ان تستدعيه وانما إلي اوراقي المكتوبة في اوانها تستعيد الوقائع كما جرت إيقاعا ونبضا وحسا'. ويقول اللواء جمال حماد 'لو كانت هذه المقولة صحيحة فإن ذلك يعني ان هيكل كان يعلم التاريخ الصحيح للمقابلة التي جرت في بيت اللواء محمد نجيب وانه يوم 19 يوليو وليس يوم 18 يوليو 1952، ومع ذلك بدله مع سبق الاصرار والتعمد لغرض في نفسه بلا شك، وسوف نوضح السر في هذه التبديلات والتغييرات التي يجريها هيكل في التواريخ. الحقيقة الثانية: ان هيكل في لقائه القصير مع عبدالناصر يوم 19 يوليو في بيت محمد نجيب والذي لم يستمر 15 دقيقة علي أكثر تقدير لم يتيسر له الالتقاء معه مرة أخري كما ورد في كتابه إلا بعد أربعة أيام، وكان ذلك في الساعة الرابعة صباحا يوم 23 يوليو 1952 في مقر رئاسة الجيش بكوبري القبة بعد سقوطه في ايدي الثوار، وقد شاهدت هذه الواقعة بنفسي عندما جاء إلي مبني رئاسة الجيش قرب الفجر المقدم متقاعد جلال ندا وبرفقته هيكل وقد حضرا عن جريدة 'أخبار اليوم'، كما شاهدت ايضا بعض الصحفيين والمصورين الحاضرين عن صحف اخري وكانوا جميعا قد هرعوا إلي رئاسة الجيش التي اصبحت مركزا لاحداث الحركة التي قام بها الجيش للحصول علي المعلومات لتزويد صحفهم بها'. وهم وخيال ويستطرد اللواء جمال حماد قائلا: 'بعد تسجيلنا لهاتين الحقيقتين يصبح ما زعمه هيكل عن لقاءاته وحواراته واتصالاته مع عبدالناصر في تلك الفترة الحرجة 'من 19 إلي 22 يوليو' نوعا من الوهم وضربا من الخيال، وكيف يمكن تصديق ما ادعاه هيكل عن ذلك الاهتمام والانشغال الشديدين لجمال عبدالناصر بصحفي قابله مصادفة عند محمد نجيب، ولم يمكث معه أكثر من دقائق معدودة، ومع ذلك لا يكف عبد الناصر عن حواراته معه، وزيارته عدة مرات في منزله، ومطاردته في التليفون بشخصه أو بواسطة احد اعوانه، وتوجيه اسئلة لهيكل خلال الحوارات والزيارات واضحة الدلالة علي ان عبد الناصر مشترك بلا شك في حركة انقلابية ضد النظام، وانه يريد ان يطمئن من هيكل العالم ببواطن الامور علي ان الانجليز لن يتدخلوا ضد هذ الحركة،كيف يجد عبد الناصر الوقت للانشغال بهيكل بهذا الشكل بينما هو مثقل في هذه الفترة الحاسمة من التأهب والاستعداد للقيام بالحركة بواجبات تنوء بحملها الجبال، وكيف تحدث مثل هذه الاتصالات شبه اليومية من عبد الناصر المعروف بشدة حذره وكتمانه واتزانه في وقت يعلم فيه ان اسمه بات معروفا للسلطات، وأن أجهرة الامن في مصر قد فرضت عليه بلا شك رقابة صارمة، وتتعقب كل خطواته وسكناته، ان من يقرأ ماكتبه هيكل في كتابه عن اتصالات وتصرفات عبد الناصر معه في هذه الفترة لابد ان يظن ان هيكل كان احد القادة البارزين من الضباط الاحرار، انه وفقا لخطة العمليات سوف يشترك في حركة الجيش في 23 يوليو علي رأس إحدي الوحدات.! لقاء أقدار يفند اللواء جمال حماد الاخطاء التي وردت في كلام الاستاذ هيكل في الفصل الذي يحمل عنوان 'لقاء اقدار في بيت محمد نجيب 'فيقول: اغفل هيكل عمدا ذكر اسم زميله الذي ذهب هو برفقته إلي منزل محمد نجيب وهو المقدم متقاعد جلال ندا احد ابطال حرب فلسطين عام 1948، والذي احيل علي التقاعد بسبب إصابته الجسيمة في الحرب، والذي عين بعد ذلك محررا بجريدة اخبار اليوم، وقد اعتاد مصطفي امين رئيس التحرير ان يرسل هيكل برفقة جلال ندا في كل المهام الصحفية التي لها علاقة بالنواحي العسكرية، لتسهيل هذه المهام باعتباره ضابطا سابقا،فقد ارسله معه الي قطاع غزة يوم 21 مايو1951 لعمل تحقيق صحفي عن الادارة المصرية بالقطاع، وكذا في يوم 19 يوليو 1952 الي منزل محمد نجيب لمعرفة ماجري في مقابلته مع محمد هاشم باشا وزير الداخلية، كما بعث بهما معا في فجر 23 يوليو 1952 الي مقر رئاسة الجيش، وبرغم ذلك فقد تعمد هيكل حذف اسم جلال ندا من كل المهام الصحفية التي رافقه فيها،من المعروف لكل الشهود والمؤرخين ان جلال ندا كان هو الذي تحدث مع محمد نجيب عند زيارته له مع هيكل في بيته يوم 19 يوليو 1952 عن القضية التي رفعها امام مجلس الدولة، للطعن في قرار رئاسة الجيش بحل مجلس ادارة نادي الضباط،وعندما سأله عبد الناصر عن رسوم القضية اصر برغم معارضة جلال علي دفع هذه الرسوم،باعتبار انه يجمع نقودا لهذا الغرض، مما استلفت نظر هيكل بحاسته الصحفية الي اهمية هذا الضابط، فطلب من جلال ندا ان يعرفه بعبد الناصر وقد تم التعارف بينهما بالفعل، وكانت هذه اول مرة يلتقي فيها هيكل مع عبد الناصر، من الواضح ان هيكل كان مصرا لسبب غير مفهوم علي اخراج جلال ندا من سجل التاريخ برغم ما كان يربطهما معا من صداقة قوية، ولكن اخراجه لجلال ندا من التاريخ اثار مشكلة لدي هيكل فقد كان من الضروري اثارة موضوع القضية التي سترفع امام مجلس الدولة في وجود عبد الناصر في صالون محمد نجيب، حتي يتمكن من كتابة الحوار الطويل الخيالي الذي دار بينهما في الصالون، والمسجل في الصفحتين 510 و 511 من الكتاب ( وهو جزء من السيناريو المستحدث) برغم ان عبد الناصر وعبد الحكيم حضرا لمهمة عاجلة، وهي مقابلة محمد نجيب لإخطاره بموعد الثورة، ومدي استعداده الحقيقي لتولي قيادتها، وليس لديهما اي وقت للكلام او للدردشة، لان الزملاء في لجنة القيادة في انتظارهما علي احر من الجمر نظرا لخطورة الموضوع. استنساخ البديل تفتق ذهن هيكل عن الحل المناسب لمشكلة محو اسم جلال ندا من سجل التاريخ، وفي نفس الوقت ايجاد الوسيلة لإثارة موضوع رفع القضية امام مجلس الدولة للطعن في قرار حل مجلس ادارةنادي الضباط، وكان الحل الامثل هو الاتيان باسم ضابط اخر ليكون بديلا لجلال ندا بشرط ان يكون مناسبا للقيام بهذا الدور وكان الشخص الذي وقع الاختيار عليه هو اللواء الراحل محمود صبحي الذي كتب هيكل في الصفحة 505 ( انه كان قائدا للكلية الحربية ثم احيل للتقاعد قبل شهور) وكتب في الصفحة 506 من الكتاب انه كان قد التحق اثناء الخدمة منتسبا لكلية الحقوق وتخرج بالفعل فيها، وانضم بعد احالته للمعاش فورا الي مكتب محاماة، وان اول قضية يريد ان يشارك فيها هي الطعن امام مجلس الدولة في قرارحل مجلس ادارة نادي ضباط الجيش، وهكذا اسند هيكل الي اللواء محمود صبحي دورا مهما في السيناريو المستحدث، فكتب في الصفحة 505 ان اول شخص وقع بصره عليه عندما دخل صالون محمد نجيب كان اللواء محمود صبحي، علي الرغم من ان كل المؤرخين والشهود منذ اكثر من نصف قرن لم يذكر احد منهم مطلقا اسم محمود صبحي في هذا الموقف بمن فيهم محمد نجيب صاحب البيت، بل وهيكل نفسه في مقاله المشار إليه بمجلة آخر ساعة وفضلا عن ذلك فإن الضابط السابق حسن حافظ الذي كان يخدم برتبة نقيب في سلاح الحدود عندما كان اللواء محمد نجيب مديرا لهذا السلاح وكان كما قال عنه قائده 'اصدق رجاله وأوفي ابنائه الضباط' ثم اصبح بعد احالته علي التقاعد عضوا بمجلس الشعب كتب مقالا نشرته جريدة الوفد في يوم 5 اغسطس 1989 سجل فيه كشاهد عيان وبدقة تامة اسماء الاشخاص الذين كانوا بصالون منزل اللواء محمد نجيب عندما قام بزيارته بعد ظهر يوم 19 يوليو 1952 وقبل قدوم عبد الناصر وعبد الحكيم عامر مباشرة فقد ورد ضمن مقاله مايلي: 'واذكر انه في يوم 19 يوليو عند توجهي للواء محمد نجيب في بيته وجدت بالصالون الصاغ جلال ندا المحرر بأخباراليوم واحد ابطال حرب فلسطين عام 1948 والذي اصيب بعجز كلي في ساقه في الميدان وبصحبته الصحفي محمد حسنين هيكل المحرر الحربي لأخبار اليوم عام 1948 وبجانبهم شخص يغلب عليه انه من اصل سوداني عرفني اللواء محمد نجيب بأنه الاستاذ أحمد المدثر والذي أصبح فيما بعد سكرتيرا خاصا للواء محمد نجيب رئيس مجلس الثورة'. المخرج الماهر حاول المخرج الماهر هيكل ان يحرك شخصية اللواء الراحل محمود صبحي التي آتي بها من اعماق الظلام فجعله يسأل ويحاور محمد نجيب وهيكل وجمال عبد الناصر بقوة وإصرار وجعله يقول­ كما ورد في صفحة 505 من الكتاب­ في إباءوشمم' ان رأيي مازال رفع قضية ضد قرار حل مجلس الادارة امام مجلس الدولة، لأنه لايمكن السكوت علي هذا القرار وحتي اذا اراد سعادة اللواء (يقصد محمد نجيب ) ان يتنازل عن حقه فإن جموع الضباط لن تتنازل. ويرد محمد نجيب قائلا: انه لايملك ان يتنازل لانه حق مئات الضباط الذين انتخبوا المجلس.' ويكشف اللواء جمال حماد حقيقة غابت عن الاستاذ هيكل تهدم هذا السيناريو بقوله: هيأ هيكل كل الترتيبات ليقوم البديل محمود صبحي بالدور الذي رسمه له في السيناريو، ونسي ان الحقيقة لابد ان تنكشف إن عاجلا أو اجلا لتهدم قصته من اساسها لسببين: اولهما أن اللواء محمود صبحي لم يكن عضوا بمجلس ادارة نادي الضباط الذي صدر القرار بحله في 16 يوليو 1952 ولذا فإن وضعه يختلف تماما عن وضع المقدم متقاعد جلال ندا الذي كان عضوا منتخبا من الجمعية العمومية للضباط لمجلس ادارة النادي عن المحاربين القدماء مما كان يجعل له الحق في رفع قضية امام مجلس الدولة باعتباره صاحب مصلحة في رفعها علي عكس محمود صبحي الذي لم يكن له اية علاقة بموضوع قضية نادي الضباط فلا هوعضو في مجلس الادارة المنحل ولا احد فوضه من هذا المجلس لرفع هذه القضية امام مجلس الدولة. اما السبب الثاني فيرجع الي ان محمود صبحي الذي كان مديرا للكلية الحربية منذ 18 فبراير 1947 لم يكن قد احيل للتقاعد قبل شهور كما قال هيكل، فقد احيل الي الاستيداع عقب تركه منصب مدير الكلية الحربية في 9 ديسمبر 1950 وعين وكيلا للقوات المرابطة في 3 ديسمبر 1951، وظل ضابطا في الجيش العامل حتي قيام الثورة في 23يوليو 1952، واحيل الي التقاعد مع باقي لواءات الجيش بعد قيام الثورة، وتم ذلك في النشرة العسكرية التي صدرت في 15 سبتمبر 1952، وهذا يعني انه لم يكن يوم 19 يوليو 1952 وهو في منزل محمد نجيب قد احيل للتقاعد بعد، ولم يكن قد انضم مباشرة الي مكتب محاماة كما قال هيكل، لانه كان لايزال في الخدمة العسكرية، ولم يكن في امكانه بالطبع رفع قضية او حتي التفكير في رفعها امام مجلس الدولة ضد رئاسته، التي اصدرت القرار بحل مجلس ادارة نادي الضباط، وفضلا عن ذلك لم يكن اللواء محمود صبحي يفكر مطلقا في دخول بيت محمد نجيب، فقد كان محسوبا من ضمن اعوان السراي بالجيش!!

************************

الأخبار 11/5/2007 السنة 55 العدد 17178 عن مقالة بعنوان " وقائع التاريخ بين الحقيقة .. والتأليف - اللواء جمال حماد.. يصحح روايات هيكل للتاريخ '3' - أين الحقيقة ؟!أربع روايات مختلفة لواقعة واحدة "
روايتان لهيكل .. وثالثة للبغدادي .. وأخري لجلال ندا
بقلم اللواء :جمال حماد
اعد الحلقات للنشر:عاطف النمر
السيد رئيس تحرير جريدة الأخبار
تحية طيبة ابعث بها اليكم بصفتي واحدا من القراء المتابعين باهتمام ما تنشره جريدة الأخبار ويهمني ان اوضح ان الموضوع الذي دفعني للكتابة اليك هو ما دأب اليه بعض الكتاب والذي يؤسفني ان يكون علي رأسهم كاتب كبير مثل الاستاذ محمد حسنين هيكل في الآونة الاخيرة علي تشويه متعمد للكثير من احداث ووقائع تتعلق بثورة 23 يوليو 1952 اما للإساءة لهذه الثورة المجيدة او لانتزاع بطولات زائفة لأشخاصهم عن طريق تأليف قصص وحكايات ومزاعم اسندوا فيها ادوارا قاموا بها سواء في الايام القليلة التي سبقت قيام الثورة او خلال الليلة الخالدة 'ليلة 23 يوليو' في حين ان معظمها ليس له اي اساس من الصحة ويدل بلاشك علي ان البعض منهم يتمتع بخيال واسع أو ان ما يدونه عن الثورة انما هو ضرب من الأوهام او نوع من احلام اليقظة.
وقد كان شعوري بعد قراءتي للعديد من هذه المؤلفات هو اشفاقي علي تاريخ هذه الثورة المجيدة التي قام بها شبان احرار من اشجع ضباط القوات المسلحة المؤمنين بربهم ووطنهم والذين خرجوا في تلك الليلة التاريخية لتحرير بلادهم من نير الاحتلال البريطاني.. ومن ظلم وطغيان واستبداد الملك واعوانه الفاسدين دون اكتراث بأن الفشل كان يعني وضعهم علي اعواد المشانق او في مواجهة جماعات الاعدام رميا بالرصاص.ونظرا لان احتفال مصر والعالم العربي بمضي خمسة وخمسين عاما علي قيام هذه الثورة الخالدة سوف يحل بعد اشهر قلائل لذا وجدت لزاما عليٌ كواحد من المشاركين في قيامها واحد شهود العيان لبعض وقائعها ضرورة تصحيح كل ما ورد في كتاب الاستاذ هيكل 'سقوط نظام' عن الثورة قبل ان تنتهي حياة كل من بقي من ابنائها الذين في امكانهم الرد علي تلك الادعاءات والروايات المضللة حفاظا علي امانة التاريخ وحتي تصل الحقائق الي الاجيال القادمة سليمة غير منقوصة او مزيفة وهو الامر الذي يدفعني الي ارسال كتابي 'اسرار ثورة 23 يوليو' اليكم وهو الكتاب الذي فندت في احد فصوله كل أقاصيص الاستاذ هيكل مدعمة بالوثائق والمستندات عسي ان تجدوا فيه ما يحفزكم لنشره علي صفحات جريدتكم الغراء بالوسيلة التي ترونها مناسبة.
ويهمني قبل ان اختتم رسالتي ان اؤكد أنه ليس لي اي مطمع او اجتناء اي مغنم ذاتي او مكسب مادي فلم يبق في العمر الا مايدفعني الي ابتغاء رضاء الله سبحانه وتعالي كما انني اعلن انني علي استعداد لمواجهة الاستاذ هيكل علي رءوس الاشهاد كي اقدم له ما لديٌ من ادلة دامغة وبراهين قاطعة وليس امامي سوي ان اتمثل بقوله تعالي في كتابه الكريم: 'فأما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض' 'سورة الرعد الاية 17' وفي الختام ارجو ان تتقبلوا وافر تحياتي واحترامي.


لواء أ.ح متقاعد جمال حماد
أثبت اللواء أركان حرب جمال حماد، في الحلقات السابقة فقدان المصداقية للقصة التي رواها الاستاذ محمد حسنين هيكل للصحفي اللبناني علي بلوط عام 1973، حول أول لقاء له مع جمال عبدالناصر بفلسطين عام 1948، خاصة ان الأستاذ هيكل روي هذه القصة بعد رحيل عبدالناصر ولم يكتبها أو يروها في حياته، وقد استند اللواء جمال حماد إلي مقال المقدم جلال ندا الذي يكذب هذه الواقعة، إلي جانب يوميات جمال عبدالناصر التي تؤكد ان كتيبته لم تتحرك من مكانها إلا بعد ثلاثة أشهر من تاريخ نشر التحقيق الصحفي الذي بعث به الأستاذ هيكل من فلسطين ويقر فيه بأن الشخص الذي التقي به هناك هو المقدم جلال ندا!
المفارقة الأخري التي كشف عنها اللواء جمال حماد ان الاستاذ هيكل حذف اسم جلال ندا فيما نشره أو تحدث به بخصوص المهمة التي ذهب من أجلها إلي بيت اللواء محمد نجيب يوم 19 يوليو 1952 لمعرفة آخر تطورات أزمة نادي الضباط الذي صدر قرار بحله يوم 16 يوليو، وقد استند اللواء جمال حماد لمذكرات اللواء نجيب التي يقرر فيها بأن هيكل أتي إليه وبرفقته المقدم متقاعد جلال ندا، واقوال عبداللطيف البغدادي التي قال فيها ان عبدالناصر عاد مع عبدالحكيم عامر ليخبر زملاءه بأنه وجد في بيت اللواء محمد نجيب، المقدم جلال ندا والصحفي محمد حسنين هيكل!! ، وقد فند اللواء جمال حماد الأخطاء التي وردت في كتاب هيكل 'سقوط نظام' في الفصل الذي يحمل عنوان 'لقاء أقدار في بيت محمد نجيب' الذي اختلق فيه اسم اللواء محمود صبحي، وغاب عنه ­ كما يقول جمال حماد ­ ان هذا اللواء كان معروفا بأنه من اعوان القصر بالجيش، وغير محبوب او مرغوب من كل الضباط، بالتالي لا يمكن له دخول بيت محمد نجيب، كما انه ليس صاحب مصلحة في الدعوي القضائية المقترحة في ذلك الوقت والمتعلقة بأزمة نادي الضباط، كما انه لم يكن قد ترك الخدمة العسكرية في هذا التوقيت حتي يتسني له ممارسة المحاماة كما أدعي الاستاذ هيكل في هذه القصة، كما ان مذكرات اللواء محمد نجيب لم تشر إلي هذه القصة وعبدالناصر لم يخبر زملاءه عند عودته بأنه شاهد في بيت نجيب اللواء محمود صبحي!!

حوار الطريق

عود علي بدء، ووصل لما سبق، يواصل اللواء جمال حماد تفنيد الوقائع المتضاربة والمتناقضة التي طرحها الأستاذ هيكل، في السيناريو الأول عام 1973، والسيناريو الثاني الذي تضمنه كتابه 'سقوط نظام' بعدها بثلاثين عاما، فتحت عنوان 'حوار في الطريق العام' نشر الاستاذ هيكل الحوار المطول الذي دار بينه وبين المقدم جمال عبدالناصر والرائد عبدالحكيم عامر اثر ركوبهما معه في عربته 'الاوبل كابتيان' بعد خروجهما من بيت اللواء محمد نجيب، ولكن قبل ان نعرض ما ذكره الأستاذ هيكل، نلخص المشهد للقراء بالتالي:
تفاعلت ازمة نادي الضباط بعد قرار حله، ارسل مصطفي امين رئيس تحرير 'أخبار اليوم' المقدم جلال ندا الذي كان يعمل بأخبار اليوم بعد اصابته في حرب فلسطين وتقاعده، وكان برفقته الأستاذ هيكل 'رئيس تحرير آخر ساعة'، لاستطلاع آخر تطورات أزمة النادي من اللواء نجيب، علي الجانب الآخر كان هناك اجتماع للضباط الاحرار الذين ارسلوا عبدالناصر وعبدالحكيم عامر إلي اللواء محمد نجيب للحديث معه بشأن موعد قيام الثورة وموقفه من قيادتها، في هذا اليوم 19 يوليو 1952 رأي هيكل عبدالناصر لأول مرة، وطلب من جلال ندا أن يعرفه عليه، وبعدها انصرف عبدالناصر وعامر بعد ان اختلي بهما
اللواء نجيب في الصالون وسمع لهما.

سيارة هيكل

يقول اللواء جمال حماد 'ننتقل إلي الحوار الذي نشره الأستاذ هيكل في الصفحات من 512 إلي 517 في كتابه 'سقوط نظام'، وفيما يلي موجز لهذا الموضوع: خرج هيكل من بيت اللواء محمد نجيب وركب سيارته وفي الطريق الرئيسي المؤدي من الزيتون إلي القبة لمح عبدالناصر وعبدالحكيم عامر وهما في انتظار الاتوبيس، وسألهما إذا كان في إمكانه أخذهما معه في سيارته في طريقه إلي وسط البلد، ورد عبدالناصر انه يمكنهما الذهاب معه إلي باب الحديد 'ميدان محطة مصر'، وصعد إلي المقعد المجاور وصعد عبدالحكيم إلي المقعد الخلفي، وأوضح عبدالناصر ان سيارته الصغيرة ماركة اوستن عند الميكانيكي وسوف يتسلمها منه صباح اليوم التالي، وسمع هيكل صوت عبدالحكيم لأول مرة يسأله: هل تعتقد ان القضية التي يقترحها اللواء محمود صبحي يمكن ان تحل المشكلة؟ وتدخل عبدالناصر في الحديث قائلا: إنها لن تحل شيئا، واذا سمحت فإن الاقتراح الذي سمعناه من حضرتك عن قيام ألف ضابط بتسجيل اسمائهم. في دفتر التشريفات اقتراح يصعب تنفيذه، ورد هيكل علي الفوربأنه لا يجد وجه الصعوبة التي يشير إليها لان الظروف تقتضي إجراء يسمع له دوي، لم يقتنع عبدالناصر وقال: إنهم 'يقصد السلطة' سوف يبذلون كل جهودهم في محاصرة أي فعل ويتعاملون مع الحدث باعتباره تمردا، وقال انتم المدنيون سهل ان تقولوا تمردا، أما في العسكرية فالموضوع مختلف وأي مظاهرة سوف تعتبر تمردا أي عصيانا أليس ذلك ما حدث من عرابي ورفاقه، ثم يتدخل الانجليز كما تدخلوا سنة 1882 والنتيجة أن الجيش يتحمل علي شرفه مصيبة احتلال عسكري سافر للبلد مرة أخري.
وقال هيكل: 'ان الانجليز لن يتدخلوا مهما حدث في القاهرة'، وسأله عبدالناصر في استغراب: 'وكيف تستطيع الجزم بهذه الطريقة القاطعة؟'
وراح هيكل يرد عليه كما لو انه يكتب خبرا أو تحليلا، وحدد له ستة أسباب تمنع الانجليز من التدخل، وبعد ان انتهي هيكل من تحليله ظهر ان عبدالناصر كان شديد الدهشة إلي درجة الانبهار عما قاله هيكل وسأله: هل هذه كلها معلومات متاحة للصحفيين؟

شعلة تيقظ

وكان هيكل قد توقف بسيارته قبل دخول ميدان المحطة لتأمين فرصة نزول عبدالناصر وعبدالحكيم قبل الزحام. وبعد تردد سأل عبدالناصر هيكل بما معناه أنه لم يستوعب بالكامل ما قاله لأن 'حضرته' تكلم بسرعة، والكلام مهم لأي ضابط أركان حرب بصرف النظر عن الأزمة الحالية. ثم سأل عبدالناصر هيكل مترددا عما اذا كان في الامكان الذهاب إلي أي مكان لتكملة الحديث، فدعاه هيكل للحضور إلي مكتبه. وقبل عبدالناصر وتحرك هيكل بسيارته، ولكن ظهر أن جمال لديه استدراكا فقد سأله: مكتبك في اخبار اليوم؟ قال هيكل: نعم قال جمال: هل نستطيع ان نذهب إلي أي مكان آخر؟ يقول الناس: إن أخبار اليوم هي جريدة السراي، وسأله هيكل: هل تحب ان تذهب إلي بيتي؟ وأبدي جمال ترحيبا ظاهرا وعلق هيكل علي ذلك الحوار قائلا: لحظتها بتأثير ذلك الشعور الغريب الذي احسست به وخيل لي إنني لمحت شعلة تيقظ وتحفز، ولم أجد ذلك مثيرا للشك من ضابط أركان حرب يقول انه يهتم بالتفكير الاستراتيجي.

تأليف التاريخ

يعقب اللواء جمال حماد علي ما جاء بهذه القصة قائلا: قراءة هذا الحوار المطول يحق لي أن أتساءل: هل يتخيل احد ان هذا الحوار بتفاصيله الوافية وحبكته الدقيقة وحسن تسلسل فقراته ليس إلا موضوعا انشائيا من تأليف واخراج الاستاذ هيكل ولن ألجأ في إثبات ذلك إلي الدليل الحاسم الذي اشرنا إليه من قبل وهو اعتراف هيكل بأنه لم يلتق مع عبدالناصر بعد مغادرته بيت اللواء محمد نجيب إلا فجر 23 يوليو بمقر رئاسة الجيش، فإن هناك أكثر من شاهد علي أن موضوع حوار في الطريق العام ما هو إلا واحد من الموضوعات التي يفبركها الأستاذ هيكل ليحقق عن طريقها الأهداف التي رسمها، وعلي ذلك فيمكن ان نؤكد عن ثقة ان الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل لا يروي التاريخ، وإنما هو يؤلف التاريخ. والفرق كبير بالطبع بين العبارتين.
كالعادة يقدم اللواء جمال حماد الأدلة التي تدحض كل ما جاء بهذه القصة مستندا أولا لحديث اجراه الاستاذ صلاح منتصر مع الأستاذ هيكل نشر في مجلة أكتوبر بالعدد 606 يوم 5 يونيو 1988 تحدث فيه هيكل عن واقعة لقائه بجمال عبدالناصر بمنزل اللواء محمد نجيب وقال ما يلي: 'ولكن أول مرة قابلته فيها بطريقة دقيقة 'يقصد عبدالناصر' كان يوم 18 يوليو 1952 قبل الثورة بأربعة أيام في بيت محمد نجيب، وبعد خروجنا من عند محمد نجيب صحبته في سيارتي إلي محطة مصر ويومها كنت اتكلم وشرحت كيف ان الانجليز لن يتدخلوا إذا قامت ثورة أو حركة، ويبدو أن كلامي بشكل أو بآخر لقي استجابة عنده لانه وجده منطقيا'.

18 ولا 19

وللتأكيد علي ان هيكل ذهب برفقة جلال ندا لبيت اللواء محمد نجيب يوم 19 يوليو وليس يوم 18 يوليو كما قال في حديثه لصلاح منتصر، يقدم اللواء جمال حماد نفيا لذلك علي لسان عبداللطيف البغدادي عضو مجلس قيادة الثورة في حديث له مع صلاح منتصر نشر بالعدد 610 بمجلة أكتوبر في 3 يوليو 1988 يقول فيه: 'استقر رأينا علي معرفة مدي استعداد محمد نجيب لتولي قيادة الحركة، فذهب إليه جمال وعبدالحكيم يوم 19 يوليو ­ وليس 18 يوليو كما ذكر الأستاذ هيكل ­ ولكنهما عادا إلينا وأبلغانا انهما وجدا عنده الصحفي محمد حسنين هيكل والضابط جلال ندا وانهما ­ عبدالناصر وعبدالحكيم ­ لم يتمكنا من مفاتحة نجيب بالأمر وروي لنا عبدالناصر ان هيكل سألهما عن رد فعل الجيش بعد اغلاق النادي وحل مجلس ادارته، فأجابه عبدالناصر وعبدالحكيم بأنهما لا يهتمان بمثل هذه الامور وانهما ذاهبان إلي السينما، وغادرا منزل محمد نجيب وركبا سيارة جمال 'الاوستن' وعادا إلينا وقاما بابلاغنا بالذي حدث لاننا كنا في انتظار إجابة محمد نجيب'.
باعتراف البغدادي تختلف تفاصيل القصة التي رواها الأستاذ هيكل، فعبد الناصر وعبدالحكيم عادا مباشرة إلي زملائهما بسيارة عبدالناصر 'الاوستن'، ولم يركب سيارة هيكل، ويقدم اللواء جمال حماد دليلا آخر ينسف قصة الأستاذ هيكل فيقول:
المقدم المتقاعد جلال ندا الذي كان هو والاستاذ هيكل قد كلفهما الاستاذ مصطفي امين رئيس تحرير جريدة أخبار اليوم بالذهاب إلي منزل اللواء محمد نجيب يوم 19 يوليو 1952 لسؤاله عما تم في مقابلته مع محمد هاشم باشا وزير الداخلية في اليوم السابق، ورد ضمن مقاله الذي نشره في مجلة الحوادث اللبنانية عام 1972 والذي نشر أيضا بمجلة الدستور اللبنانية في 18 أكتوبر 1976 ما يلي: 'بعد انتهاء مقابلتنا لمحمد نجيب عدت أنا وهيكل رأسا إلي دار أخبار اليوم في عربة هيكل الاوبل كابيتان السوداء، وكان هو الذي يقودها ولم يحدث أننا توقفنا في الطريق'.
وهكذا تعتبر أقوال كل من البغدادي وجلال ندا شهادة قاطعة علي ان موضوع حوار في الطريق العام ما هو الا موضوع انشائي بحت ولا سند له من الواقع، فإن سيارة عبدالناصر لم تكن عند الميكانيكي لاصلاحها، بل توجهت براكبيها 'جمال وعبدالحكيم' رأسا إلي المكان الذي كان زملاؤهما في لجنة القيادة ينتظرون فيه عودتهما لمعرفة حقيقة موقف اللواء محمد نجيب.

السيناريو القديم

ويقول اللواء جمال حماد بعد تقديم هذه الادلة:
'أعترف ان الدهشة قد اصابتني عندما قرأت حديثا صحفيا للاستاذ هيكل مع الاستاذ علي بلوط المحرر بمجلة الدستور اللبنانية اجراه عام 1973، فقد ورد في الحديث تفصيلات عن واقعة الحوار في الطريق العام الذي جري بين هيكل وعبدالناصر، وكان سر دهشتي ان سيناريو الحوار الذي قام بتأليفه الاستاذ هيكل ونشره في كتابه 'سقوط نظام' يختلف تماما عن السيناريو الذي قام بتأليفه منذ 32 عاما وقام بنشره في مجلة الدستور اللبنانية، خاصة ان الاختلاف لا يقع في عناصر ثانوية بل يقع في جوهر الموضوع ذاته، وسوف يكتشف القراء ذلك عند قراءتهم ذلك السيناريو القديم.
قال الأستاذ هيكل في حديثه لمجلة الدستور اللبنانية عام 1973 ما يلي: 'كان هذا الكلام في السابعة بعد ظهر يوم 18 يوليو 'الصحيح 19 يوليو ومن العجيب ان يستمر الاستاذ هيكل في ذلك الخطأ في تاريخ هذا اليوم منذ 32 عاما حتي اليوم دون اية محاولة لتصحيحه'. وقد تركت منزل محمد نجيب بعد خروج عبدالناصر وعامر معه بعشر دقائق ووجدتهما في الخارج يحاولان إدارة محرك سيارة عبدالناصر الاوستن الصغيرة العتيقة، وقتها كنت املك سيارة اوبل سوداء اللون سرت قبلهما باتجاه القاهرة وسارا خلفي وعند محطة بنزين كوبري القبة وقفت لأتزود بالبنزين فوقفت بدورها السيارة الاوستن، نزل منها عبدالناصر ثم اتجه نحوي وقال لي:

­ لماذا لا تعطونا اقتراحات سليمة؟
ثم أضاف يقول:
­ لو حصل أي شيء فإن الانجليز سيتدخلون.
قلت له:
­ لا اعتقد ان الانجليز في وضع يسمح لهم بالتدخل
قال متسائلا: علي أي شيء تبني اعتقادك هذا؟
ورحت أشرح له باختصار ان وضع الانجليز في القنال بالاضافة إلي الامور الداخلية في مصر لا تسمح لهم بالتدخل، ولأول مرة لاحظت لمعانا في عيني عبدالناصر، وسرعان ما قال لي دون ان يبدي رأيا فيما ذكرته:
­ أنت رايح فين؟
قلت:

­ أخبار اليوم.
قال:
­ لا ما ينفعش
ثم سألني أين تسكن وما هو عنوان منزلي وما هو رقم التليفون؟ فأعطيته ما طلب، وفي الساعة التاسعة من صباح اليوم التالي في 19 يوليو 'المفترض ان يكون يوم 20 يوليو' رن جرس الهاتف في منزلي وكان المتحدث عبدالناصر لم يقل لي اسمه بل قال:
­ أنا اللي شفتك امبارح بمحطة البنزين.
ثم تابع وعاوز أشوفك اليوم.
وفعلا جاءني في منزلي في الساعة الثالثة من بعد الظهر وراح يتكلم معي بموضوع اساسي واحد هو موقف الانجليز هل يتدخلون أم لا؟ وخلال ساعتين شرحت له وبإسهاب ظروف الانجليز التي تمنعهم من التدخل، كان يصغي باهتمام شديد إلي كل كلمة اقولها وشعرت ان هناك شيئا ما يدبر في رأس الرجل'.

خيال سينمائي

يتوقف بنا اللواء جمال حماد قائلا: 'ولو كان هيكل يكتب التواريخ الصحيحة ­ حسبما قال انه لا يركن إلي ذاكرته وإنما إلي الأوراق المكتوبة في أوانها ­ لكان قد ذكر ان عبدالناصر زاره في بيته يوم 20 يوليو وليس يوم 19، ولكن ذلك معناه ان يعترف بأن هذه الزيارة كانت وهمية وان الشرح الذي أدلي به هيكل لعبد الناصر طوال ساعتين خلالها وباسهاب عن ظروف الانجليز التي تمنعهم من التدخل كان من المستحيل حدوثه، إلا اذا كان ما جري نوعا من الخيال العلمي كما يحدث في الافلام السينمائية، اذ إن هيكل كما سوف نري بعد قليل ووفقا لما ورد في كتابه سقوط نظام في الصفحة 531 وما بعدها كتب وصفا مطولا لرحلته إلي الاسكندرية التي جرت صباح يوم 20 يوليو لمقابلة نجيب الهلالي المكلف بتشكيل الوزارة الجديدة بعد استقالة حسين سري، والتي استمرت يومين، ونظرا لان هيكل لم يكن في امكانه التواجد في القاهرة والاسكندرية في وقت واحد حيث ان قدراته بالنسبة لهذا الاعجاز مازالت محدودة لذا اضطر ان يبدل التاريخ ليجعل احداث يوم 20 يوليو تقع يوم 19 يوليو.

عاصفة من التشكيك
ويقول اللواء جمال حماد: 'وقد تعرض هيكل بسبب هذا السيناريو الركيك وغير المنطقي لعاصفة من النقد والتشكيك في صدق ما رواه، إذ لم يكن أحد يتصور ان عبدالناصر الذي كان يعلم في ذلك الوقت ان جميع أجهزة الأمن في مصر تتعقب خطواته وتحصي عليه سكناته تبلغ به السذاجة إلي الحد الذي تجعله يقف علي قارعة الطريق وسط محطة بنزين مكتظة بالعربات والناس كي يناقش موضوعا خطيرا يتعلق بحركة الجيش التي كان يخطط وزملاؤه لقيامها بعد بضعة أيام وسط اشد اجراءات السرية والكتمان ومع من؟ مع احد الصحفيين الذي لم يتعرف عليه وقتها إلا منذ دقائق معدودة، ثم يذهب إلي بيته بعد ظهر اليوم التالي اثر محادثة هاتفية مكشوفة، ليمكث لديه ساعتين ­ كما قال هيكل ­ ليستمع إلي محاضرة طويلة يلقيها عليه عن ظروف الانجليز التي تمنعهم من التدخل، وكأنه يستمع منه إلي اعمدة الحكمة السبع، وكأن حركة الجيش لم تقم الا بعد ان أكد لهم هيكل ان الانجليز لن يتدخلوا ضد هذه الحركة، وفي اعتقادي ان حدة الهجوم الذي تعرض له هيكل اثر نشر هذا السيناريو الخيالي سواء في مصر او في الخارج هو الذي دفعه إلي سرعة تغييره وجعل الحوار بينه وبين عبدالناصر يدور في سيارته الاوبل كابيتان السوداء ليكون أكثر معقولية وأكثر خضوعا للمنطق ثم ماذا يمنعه من التغيير ما دام التاريخ في نظره تأليفا في تأليف!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق