الأحد، 3 مايو 2009

الايثار

وهو: أسمى درجات الكرم، وأرفع مفاهيمه، ولا يتحلى بهذه الصفة المثالية النادرة، إلا الذين تحلوا بالأريحية، وبلغوا قمة السخاء، فجادوا بالعطاء، وهو بأمس الحاجة إليه، وآثروا بالنوال، وهم في ضنك من الحياة، وقد أشاد القرآن بفضلهم قائلا: ((ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة)) (الحشر: 9).
وسئل الصادق(عليه السلام): أي الصدقة أفضل؟ قال: جُهد المُقل، أما سمعت الله تعالى يقول: ((ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة))(2 الوافي ج6 ص58 عن الفقيه).
ولقد كان النبي(صلى الله عليه وآله) المثل الأعلى في عظمة الإيثار، وسمو الأريحية.
قال جابر بن عبد الله: ما سئُل رسول الله(صلى الله عليه وآله) شيئا فقال لا.
وقال الصادق(عليه السلام): (إن رسول الله أقبل إلى الجِعرانة، فقسم فيها الأموال، وجعل الناس يسألونه فيعطيهم، حتى ألجؤوه إلى شجرة فأخذت برده، وخدشت ظهره، حتى جلوه عنها، وهم يسألونه، فقال: أيها الناس ردوا علي بردي والله لو كان عندي عدد شجر تهامة نعما لقسمته بينكم، ثم ما ألفيتموني جبانا ولا بخيلا. . .) (سفينة البحار ج1 ص607 عن علل الشرائع. والجعرانة موضع بين مكة والطائف).
وقد كان(صلى الله عليه وآله) يؤثر على نفسه البؤساء والمعوزين، فيجود عليهم بماله وقوته، ويظل طاويا، وربما شد حجر المجاعة على بطنه مواساة لهم.
قال الباقر(عليه السلام): (ما شبع النبي من خبز بُر ثلاثة أيام متوالية، منذ بعثه الله إلى أن قبضه) (سفينة البحار ج1 ص194 عن الكافي)
وهكذا كان أهل بيته عليهم السلام في كرمهم وإيثارهم:
قال الصادق(عليه السلام): (كان علي أشبه الناس برسول الله، كان يأكل الخبز والزيت، ويطعم الناس الخبز واللحم) (3 البحار م9 ص538 عن الكافي).
وفي علي وأهل بيته الطاهرين، نزلت الآية الكريمة:
((ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا. إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءا ولا شكورا))(الدهر: 8ـ9).
فقد أجمع أولياء أهل البيت على نزولها في علي وفاطمة والحسن والحسين. . وقد أخرجه جماعة من أعلام غيرهم، وإليك ما ذكره الزمخشري في تفسير السورة من الكشاف.
قال: (وعن ابن عباس أن الحسن والحسين مرضا، فعادهما رسول الله في ناس معه، فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك، فنذر علي وفاطمة وفضة جارية لهما، إن برئا مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيام فشفيا، وما معهم شيء،فاستقرض علي(عليه السلام) من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصوع من شعير، فطحنت فاطمة صاعا، واختبزت خمسة أقراص على عددهم، فوضعوها بين أيديهم ليفطروا، فوقف عليهم سائل فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة، فآثروه، وباتوا ولم يذوقوا إلا الماء، وأصبحوا صياما، فلما أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم، وقف عليهم يتيم فآثروه، ووقف عليهم أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك .
فلما أخذ علي بيد الحسن والحسين وأقبلوا إلى رسول الله، فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع، قال: ما أشد ما يسوؤني ما أرى بكم، وقام فانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها، قد التصق بطنها بظهرها، غارت عيناها، فساءه ذلك، فنزل جبرائيل وقال: خذها يا محمد هَناك الله في أهل بيتك، فأقرأه السورة) (1 من الكلمة الغراء ـ للمرحوم آية الله السيد عبد الحسين شرف الدين ص29 بتصرف وتلخيص).
وقد زخرت أسفار السير بإيثارهم، وأريحيتهم، بما يطول ذكره في هذا البحث المجمل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق