الأحد، 3 مايو 2009

التواضع

وهو: احترام الناس حسب أقدارهم، وعدم الترفع عليهم.
وهو خلق كريم، وخلة جذابة، تستهوي القلوب، وتستثير الإعجاب والتقدير ناهيك في فضله أن الله تعالى أمر حبيبه ، وسيد رسله(صلى الله عليه وآله) بالتواضع، فقال تعالى:((واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين))(الشعراء: 215).
وقد أشاد أهل البيت(عليهم السلام) بشرف هذا الخلق، وشوقوا إليه بأقوالهم الحكيمة، وسيرتهم المثالية، وكانوا رواد الفضائل، ومنار الخلق الرفيع.
قال الصادق(عليه السلام): (إن في السماء ملكين موكلين بالعباد، فمن تواضع لله رفعاه، ومن تكبر وضعاه)(الكافي).
وقال النبيوسيد رسله(صلى الله عليه وآله): (إن أحبكم إلي، وأقربكم مني يوم القيامة مجلسا، أحسنكم خلقا، وأشدكم تواضعا، إن أبعدكم مني يوم القيامة، الثرثارون وهم المستكبرون)(كتاب قرب الإسناد، وقريب من هذا الخبر ما في علل الشرائع).
وقال أمير المؤمنين(عليه السلام): (ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء، طلبا لما عند الله، وأحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء اتكالا على الله)(نهج البلاغة).
وقال الصادق(عليه السلام): (من التواضع أن ترضى بالمجلس دون المجلس، وأن تسلم علي من تلقى، وأن تترك المراء إن كنت محقا. ولا تحب أن تحمد على التقوى)(الكافي).
وجدير بالذكر أن التواضع الممدوح، هو المتسم بالقصد والاعتدال الذي لا إفراط فيه ولا تفريط، فالإسراف في التواضع داع إلى الخسة والمهانة، والتفريط فيه باعث على الكِبر والأنانية.
وعلى العاقل أن يختار النهج الأوسط، المبرأ من الخسة والأنانية، وذلك: بإعطاء كل فرد ما يستحقه من الحفاوة والتقدير، حسب منزلته ومؤهلاته.
لذلك لا يحسن التواضع للأنانيين والمتعالين على الناس بزهوهم وصلفهم، إن التواضع والحالة هذه مدعاة للذل والهوان، وتشجيع لهم على الأنانية والكبر، كما يقول المتنبي:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته *** وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
ومما قيل في التواضع قول المعري:
يا والي المصر لا تظلمن فكم جاء مثلك ثم انصرف *** تواضع إذا ما رزقت العلا فذلك مما يزيد الشــرف
وفي المثل:
تواضع الرجل في مرتبته، ذب للشماتة عند سقطته
وقال الطغرائي :
ذريني على أخلاقي الشوس إنني عليم بإبرام العزائم والنقض
أزيد إذا أيسرت فضل تواضع ويزهي إذا أعسرت بعضي على بعضي
فذلك عند اليسر أكسب للثنا وهذاك عند العسر أصون للعرض
أرى الغصن يعرى وهو يسمو بنفسه ويوقر حملا حين يدنو من الأرض
وإليك طرفا من فضائل أهل البيت، وتواضعهم المثالي الفريد:
كان النبيوسيد رسله(صلى الله عليه وآله) أشد الناس تواضعا، وكان إذا دخل منزلا قعد في أدنى المجلس حين يدخل، وكان في بيته في مهنة أهله، يحلب شاته، ويرقع ثوبه، ويخصف نعله، ويخدم نفسه، ويحمل بضاعته من السوق، ويجالس الفقراء، ويواكل المساكين.
وكانوسيد رسله(صلى الله عليه وآله) إذا ساره أحد، لا ينحي رأسه حتى يكون الرجل هو الذي ينحي رأسه، وما أخذ أحد بيده فيرسل يده حتى يرسلها الآخر، وما قعد إليه رجل قط فقاموسيد رسله(صلى الله عليه وآله) حتى يقوم، وكان يبدأ من لقيه بالسلام، ويبادئ أصحابه بالمصافحة، ولم يُر قط ماداً رجليه بين أصحابه، يكرم من يدخل عليه، وربما بسط به ثوبه، ويؤثره بالوسادة التي تحته، ويكني أصحابه ويدعوهم بأحب أسمائهم تكرمة لهم، ولا يقطع على أحد حديثه، وكان يقسم لحظاته بين أصحابه، وكان أكثر الناس تبسما، وأطيبهم نفسا(سفينة البحار المجلد الأول ص 415 بتصرف وتلخيص).
وعن أبي ذر الغفاري: كان رسول اللهوسيد رسله(صلى الله عليه وآله) يجلس بين ظهراني أصحابه، فيجيء الغريب فلا يدري أيهم هو حتى يسأل، فطلبنا إليه أن يجعل مجلسا يعرفه الغريب إذا أتاه، فبنينا له دكانا من طين فكان يجلس عليها، ونجلس بجانبه.
وروي أنه وسيد رسله(صلى الله عليه وآله) كان في سفر، فأمر بإصلاح شاة، فقال رجل: يا رسول الله عليَ ذبحها، وقال آخر: عليَ سلخها، وقال آخر: عليَ طبخها، فقال وسيد رسله(صلى الله عليه وآله):
وعليَ جمع الحطب. فقالوا: يا رسول الله نحن نكفيك. فقال: قد علمت أنكم تكفوني، ولكن أكره أن أتميز عليكم، فإن الله يكره من عبده أن يراه متميزا بين أصحابه، ثم قام فجمع الحطب.(سفينة البحار ج1 ص415).
وروي أنه خرج رسول اللهوسيد رسله(صلى الله عليه وآله) إلى بئر يغتسل، فأمسك حذيفة بن اليمان بالثوب على رسول الله وستره به حتى اغتسل، ثم جلس حذيفة ليغتسل، فتناول رسول اللهوسيد رسله(صلى الله عليه وآله) الثوب، وقام يستر حذيفة، فأبى حذيفة ، وقال: بأبي وأمي أنت ورسول الله لا تفعل، فآلى رسول الله إلا أن يستره بالثوب حتى اغتسل، وقال: ما اصطحب اثنان قط، إلا وكان أحبهما إلى الله أرفقهما بصاحبه(سفينة البحار ج1 ص416).
وهكذا كان أمير المؤمنين(عليه السلام) في سمو أخلاقه وتواضعه، قال ضرار وهو يصفه(عليه السلام):
(كان فينا كأحدنا، يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، ويأتينا إذا دعوناه، وينبئنا إذا استنبئناه، ونحن والله مع تقريبه إيانا، وقربه منا، لا نكاد نكلمه هيبة له، فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظم أهل الدين، ويقرب المساكين، لايطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله)
وقال الصادق(عليه السلام): (خرج أمير المؤمنين(عليه السلام) راكبا على أصحابه، فمشوا خلفه، فالتفت إليهم فقال: لكم حاجة. فقالوا: لا يا أمير المؤمنين، ولكننا نحب أن نمشي معك. فقال لهم: انصرفوا، فإن مشي الماشي مع الراكب، مفسدة للراكب، ومذلة للماشي)(محاسن البرقي).
وهكذا يقص الرواة طرفا ممتعا رائعا من تواضع الأئمة الهداة عليهم السلام، وكريم أخلاقهم.
فمن تواضع الحسين(عليه السلام): أنه مر بمساكين وهو يأكلون كسرا لهم على كساء، فسلم عليهم، فدعوه إلى طعامهم، فجلس معهم وقال: لولا أنه صدقة لأكلت معكم. ثم قال: قوموا إلى منزلي، فأطعمهم وكساهم وأمر لهم بدراهم(2 مناقب ابن شهرآشوب).
ومن تواضع الرضا(عليه السلام):
قال الراوي: (كنت مع الرضا عليه السلام في سفرة إلى خراسان، فدعا يوما بمائدة، فجمع عليها من السودان وغيرهم، فقلت: جعلت فداك لو عزلت لهؤلاء مائدة. فقال: مه، إن الرب تبارك وتعالى واحد، والأم واحدة، والأب واحد، والجزاء بالأعمال)(3الكافي).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق